الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التلاعب بالأصوات.. الذكاء الإصطناعي والأمن السيبراني

بواسطة azzaman

التلاعب بالأصوات.. الذكاء الإصطناعي والأمن السيبراني

ضياء الجميلي

 

يشهد مجال الأمن السيبراني تطورات متسارعة بفضل التقدم الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي، بحيث تداخلت مسارات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بشكل كبير، حيث يؤثر كل منهما على الآخر بشكل مباشر وغير مباشر، وأصبح الذكاء الاصطناعي شريكا أساسيا في حماية الأنظمة والبيانات من التهديدات المتزايدة، وذلك بفضل قدرته على التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة واتخاذ القرارات بسرعة وفعالية، وفي الأونة الأخيرة شهد مجال الأمن السيبراني تطورا كبيرا مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي والذي يعتبر فرع من فروع الذكاء الاصطناعي، هذه التقنية القادرة على توليد نصوص وصور ومقاطع برمجية جديدة، تحمل في طياتها إمكانات هائلة لتحسين دفاعاتنا ضد الهجمات السيبرانية، ولكنها في الوقت نفسه تشكل تهديدا جديدا وخطيرا، ومع التطور الهائل في الذكاء الاصطناعي والخوارزميات المتقدمة فقد اصبح لدينا طرق مختلفة ومتنوعة واكثر واقعية ودقة لتوليد الأصوات المزيفة من أي وقت مضى هذا التطور يطرح تحديات كبيرة في تمييز الصوت المزيف عن الصوت الحقيقي. لذلك، يعتبر استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التلاعب بالأصوات تحديا كبيرا للمجتمع ولهذ يتطلب الأمر تظافر الجهود من قبل الحكومات والشركات والمواطنين لمواجهة هذه المخاطر وحماية المجتمع من آثارها السلبية ويجب توخي الحذر عند التعامل مع أي مقطع صوتي، والتأكد من مصدره قبل تصديقه.

هذه المقالة تركز على التحديات التقنية والأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي واساليب استخدام هذه التقنيات المتقدمة في الجرائم المعلوماتية، في هذا الاطارتم الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لكتابة المقالة من الناحية التقنية

التحديات التقنية والأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي

مع التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتزايدة في مختلف جوانب حياتنا، برزت أهمية الأخلاقيات في هذا المجال بشكل ملحوظ ، فبينما يوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً هائلة للتطور والتقدم، إلا أنه يطرح أيضا مجموعة من التحديات الأخلاقية التي تتطلب منا التفكير بعمق في كيفية تطوير واستخدام هذه التقنيات وتأثيرها المتزايد على مختلف جوانب حياتنا ويمكن أن نرى هذا من خلال تأثير الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات في مسار حياتنا اليومي كبشر وخاصتا في الدول المتقدمة تكنولوجيا مثل أنظمة القروض والتوظيف والأدلة الجنائية، وهنا يطرح سؤال مهم، هل هذه الأنظمة عادلة؟ هل تتخذ قرارات غير متحيزة؟ وهل تحترم حقوق الإنسان؟ ومن سيتحمل المسؤولية عن الأخطاء التي قد ترتكبها هذه الأنظمة ومثال على ذلك العجلات ذاتية القيادة؟ هل هو المبرمج أم الشركة أم النظام نفسه؟

ان من المهم على كل شخص أن يعرف اهمية البيانات بهذا العالم الجديد عالم الثورة الصناعية الرابعة، والتي تعتمد على كميات هائلة من البيانات العامة والشخصية للتعلم، مما يثير تساؤلات حول خصوصية هذه البيانات وحمايتها من الاختراق، كيف يتم استخدام هذه البيانات؟ هل يتم استخدامها بشكل أخلاقي؟ وهل يتم حمايتها من الاستخدام السيء؟ وهل سيكون القرار المتخذ متحيز بسبب تحيز البيانات والذي يؤدي في بعض الأحيان إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية في بعض المجتمعات والدول، ومع تطور الذكاء الاصطناعي، قد نصل إلى مرحلة يكون فيها للانظمة الذكية القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة، وفي هذة الحالة كيف سنضمن أن هذه القرارات تتوافق مع القيم الأخلاقية لمجتمعنا؟ وإذا أصبح للأنظمة الذكية وعي ذاتي، فكيف ستعاملها؟ وما هي حقوقها؟

وقد يؤدي سباق التسلح الرقمي الذي تشهده الدول المتقدمة، والذي يتمثل في تطوير أسلحة مستقلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يطرح تحديات جسيمة على الأمن الدولي. هذه الأسلحة التي تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات قتالية بشكل مستقل، تحمل في طياتها مخاطر هائلة، وتثير العديد من الأسئلة الأخلاقية والقانونية، مما يشكل تهديدا على الأمن العالمي ومن خلال كل هذه الاسئلة ومع السرعة الخيالية في تطور هذا العالم الجديد تستطيع ان نستنتج اهمية تطوير قوانين وتشريعات للحفاظ على القيم الإنسانية الأساسية مثل العدالة والمساواة والخصوصية من أجل ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وبما يخدم مصلحة البشرية ومنع الآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي على المجتمع.

مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في التلاعب بالأصوات

تزداد التهديدات السيبرانية في عالمنا المعاصر تعقيدا وتواتزا يوما بعد يوم مما يشكل تحديا كبيرا للمؤسسات والأفراد على حد سواء حيث يستخدم المجرمون السيبرانيون الذكاء الاصطناعي بطرق واسليب مختلفه من اجل الاضرار بالمجتمع بصوره عامه او بالشركات او الاشخاص بصورة خاصة، مما يجعل من الصعب على الأفراد والشركات التعامل مع هذه التهديدات تمثل قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على محاكاة الأصوات البشرية بدقة متناهية سلاحا ذو حدين فبينما يمكن استخدامه في مجالات إبداعية مفيدة، إلا أنه يفتح الباب أمام استخدامات غير أخلاقية وخطيرة، وفي الأونة الأخيرة وحول العالم برزت ظاهرة استخدام تقنية التزييف العميق» أحد أبرز الأدوات التي يستخدمها المهاجمون المجرمون السبرانيون الآن التوليد تسجيلات صوتية أو مرئية مزيفة تماما لشخص ما يقول أشياء لم يقلها قط وبالتالي تستخدم للابتزاز، مما يسهل عمليات الابتزاز أو التشويه أو الاحتيال حيث يتم تهديد الضحية بنشر المقاطع المزيفة إذا لم يقم بدفع فدية أو يتم استخدام المقاطع الصوتية المزيفة لتشويه سمعة الأفراد أو المؤسسات وبالتالي التأثير على الرأي العام في الانتخابات أو القضايا السياسية

وهنالك جرام أخرى تتم بواسطة الذكاء الاصطناعي فمن خلاله يستخدم المجرمون تقنيات الهندسة الاجتماعية لانشاء رسائل بريد الكتروني وهمية أكثر إقناعا أو استخدام هذه التقنية بطريقة غير اخلاقية من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد نقاط الضعف في الشبكات أو التطبيقات التابعه للافراد او الشركات، ومن ثم تصميم هجمات مخصصة باستغلال نقاط الضعف التي تم تحديدها مسبقا ومن الممكن ايضا استخدام بعض الخوارزميات الذكية في تطوير برامج ضارة جديدة بشكل أسرع وأكثر تعقيدا، مما يجعل من الصعب اكتشافها وقد تتيح للمهاجمين طرق لاستهداف أنظمة التعلم الآلي نفسها، مما يؤدي إلى تعطيلها أو التلاعب بها وهذا قد يكون كارثي على خدمات الشركات والدوائر الخدمية

لذلك، تحتاج المؤسسات والدوائر الحكومية وغير الحكومية إلى تبني استراتيجية متكاملة لمواكبة هذا التحدي المتزايد ويكون أساسها الأسلوب الوقائي لتوعية الأفراد والمؤسسات حول خطر التزييف الصوتي وكيفية التعامل معه، مثل عدم التصديق فوزا على المكالمات أو الرسائل الصوتية غير المتوقعة، واستخدام أساليب التوثيق المتعددة مثل المصادقة الثنائية أو التحقق باستخدام الصوت الحيوي والتي تساعد في منع التلاعب بالهوية باستخدام الأصوات المزيفة وكذلك عدم الاعتماد فقط على الصوت كاثبات بل استخدام التحليل الشامل الذي يشمل السياق، مثل الرسائل النصية أو التحقق من البيانات الأخرى ذات الصلة

ومن خلال تطوير أدوات وتقنيات للكشف عن التزييف الصوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن تعزيز الأمان السيبراني وحماية الأفراد والشركات من التهديدات المتزايدة وعلى الرغم من أن التزييف الصوتي أصبح أداة قوية في يد المهاجمين، إلا أن التقدم في مجال الكشف والتحليل يوفر فرصة للحد من هذه التهديدات بشرط أن يتم تعزيز الوعي واستخدام الأدوات المناسبة بفعالية

 كيفية الكشف عن المقاطع الصوتية المزيفة؟

- مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتسهيلها عملية توليد المقاطع الصوتية المزيفة، أصبح التزييف الصوتي أحد أبرز التحديات في مجال الأمان السيبراني، وخصوصا في مواقف مثل الابتزاز الاحتيال، ونشر المعلومات المضللة وفي ضوء المخاطر المتزايدة التي تفرضها هذه التقنية، تم تطوير العديد من الأدوات والخوارزميات والمهارات المتخصصة للكشف عن هذه التزويرات الصوتية والمرئية

فمثلا تستطيع دراسة الأنماط الصوتية باستخدام تقنيات التعلم العميق للذكاء الاصطناعي لتحليل الترددات الصوتية والتغييرات الدقيقة في طريقة النطق والتنفس، التي يصعب على الذكاء الاصطناعي التقليد بدقة، لذلك يمكنها اكتشاف التشوهات الصغيرة في الأصوات المزيفة.

وهناك طريقة أخرى للتعامل مع المقاطع المزيفة من خلال استخدام خوارزميات تعتمد على الشبكات العصبية العميقة التي ممكن تدريبها على مجموعة واسعة من الأصوات البشرية الحقيقية والمزيفة وبالتالي سيصبح لها القادرة على تحديد الإشارات الخفية التي تشير إلى أن الصوت قد تم توليده بواسطة تقنية تزييف عميق.

وتم كذلك تطوير طريقة أخرى للحد من من مشكة التزوير باستخدام البصمة الصوتية وتقنيات التحقق من المصدر، بحيث يتم التحقق من هوية المتحدث استنادا إلى الخصائص الفسيولوجية الفريدة لصوته، هذه الأنظمة يمكنها التمييز بين الصوت الحقيقي والمزيف بناء على التباينات في طبقات الصوت أو التأثيرات غير الطبيعية التي قد تنتج عن عملية التوليد المزيف.

اما الية تحليل النغمة والإيقاع لاكتشاف المقاطع التوليدية فان للذكاء الاصطناعي القدرة على تحديد تغييرات غير طبيعية في الإيقاع والنغمة الصوتية، حيث أن البشر عادة ما ينطقون بأصوات مع إيقاع ونغمة ثابتة، بينما الأصوات التوليدية المزيفة قد تفتقر إلى هذا الاستقرار بسبب الطريقة التي يتم بها توليد الصوت عبر الخوارزميات.

التحديات التي تواجه النظام القانوني

نتيجة لتطور الجرائم السيبرانية القائمة على الذكاء الاصطناعي جعل من الصعوبة على النظام الأمني والقضائي مواجهة هذة الحديات ولاجل فهم المشكلة من اجل وضع حلول مناسبة، دعنا نستعرض بعض من هذه التحديات

تطور سريع ومتغير:تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والجرائم السيبرانية بسرعة فائقة، مما يجعل من الصعب على

القوانين والمؤسسات القانونية مواكبة هذا التطور.

تعقيد الأدلة:الأدلة الرقمية في الجرائم السيبرانية غالبا ما تكون معقدة ومتشعبة، وتتطلب خبرات تقنية متخصصة لتحليلها.

الصعوبة في تحديد الجناة :قد يكون من الصعب تحديد هوية الجناة الحقيقيين في الجرائم التي تستخدم فيها أدوات الذكاء الاصطناعي، خاصة إذا تم استخدام شبكات الكمبيوتر الموزعة أو البرامج الضارة المتطورة.

الحدود الجغرافيـــــــــة: الجرائم السيبرانية لا تعرف حدودا جغرافية، مما يجعل من الصعب تطبيق القوانين وملاحقة الجناة عبر الحدود.

الافتقار إلى التشريعات الشاملة: قد لا تكون التشريعات الحالية كافية ، وخاصتا في العراق والذي في صدد كتابة تشريعات وقوانين خاصه في هذا المجال من أجل التعامل مع النوع والكم الهائل للجرائم السيبرانية.

 كيف يساهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز الأمن السيبراني؟

- الذكاء الاصطناعي التوليدي، تلك التقنية القادرة على إنشاء محتوى جديد ومبتكر، تلعب دورًا متزايد الأهمية في تعزيز الأمن السيبراني قد يبدو هذا الأمر متناقضا في البداية، لكن الحقيقة هي أن هذه التقنية يمكن استخدامها بطرق مبتكرة لحماية الأنظمة والبيانات من التهديدات المتزايدة، فمثلا من الممكن استخدام هذه التقنية لتحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قياسي للكشف عن أنماط غير طبيعية تشير إلى وجود تهديدات محتملة، حتى تلك التي يصعب على البشر اكتشافها مما يساعد على اكتشاف الهجمات فور حدوثها واتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء الضرر والحد من انتشاره، وكذلك يستطيع الذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من المهام الروتينية في مجال الأمن السيبراني، مما يوفر الوقت والجهد للمحللين الأمنيين وللذكاء الاصطناعي القدرة على تحليل سلوك المستخدمين والأجهزة وتحديد أي انحرافات عن السلوك الطبيعي، مما يساعد في الكشف عن الهجمات المتوقعة اضافة على هذا وبما أن هذه التكنلوجيا تستخدم بيانات كبيرة وجديدة وبطريقة مستمرة فان لها القابلية على التعلم المستمر، مما يساعد على تحسين أدائه في اكتشاف التهديدات الجديدة وتطوير أساليب دفاعية أكثر فعالية لذلك تستطيع أن نجزم على أن الذكاء الاصطناعي هو عنصرا أساسيا في مستقبل الأمن السيبراني مع استمرار التطور التكنولوجي والابتكارات في هذا المجال، مما سيساهم في تعزيز حماية الأنظمة والتطبيقات والبيانات على مستوى العالم ، ولكنه يشكل أيضا تحديات جديدة يجب أن نستغل إمكاناته الإيجابية مع التعامل بحذر مع مخاطرة المحتملة.

في الختام، مواجهة التحديات التي تطرحها الجرائم السيبرانية القائمة على الذكاء الاصطناعي تتطلب جهدا متواصلا من قبل جميع الأطراف المعنية من خلال تبني استراتيجيات شاملة ومتكاملة، يمكننا الحد من هذه التهديدات وحماية المجتمع الرقمي.

 مستشار رئيس الوزراء لشؤون الذكاء الاصطناعي

 


مشاهدات 37
الكاتب ضياء الجميلي
أضيف 2025/01/17 - 11:50 PM
آخر تحديث 2025/01/18 - 7:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 162 الشهر 8078 الكلي 10198043
الوقت الآن
السبت 2025/1/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير