الجماعة الوطنية...بين الألم الروحي.... وخيانة المعاني ...
مزهر الخفاجي
الحزن سمة للاذكياء...... هذا ما يقوله جارلس بوكو فسكي ، ولاندري هل يقصدُ بالحزن الأيجابي ام الحزن السلبي المرضي، فكلما زاد فهمك لاشياء معينة. قد تمنيت لو لم تفهمها، لأن الوعي والضمير الحي يدعوك الى ان تنحازُ او تقفُ بالضد من كل مايلاقيك، ان ما اراد ان يوصله بوكو في طروحاته الفلسفية يقتربُ من المفهوم الذي يقول ( انه كلما زاد الوعي يكون سلاحاً ذا حدّين).
أي بمعنى: ان الوعي نعمة تمنحنا البصيرة، ولكنه في الوقت نفسه هو جحيم، وذلك حينما لايأخذُ الوعي مداه في بسط الحق او نشر الدفاع عن الحقيقة يجعلنا نرى الجوانب المظلمة من كل شيء. وهذا الفهم يرد في مقولات ديستوفسكي، الذي يذهب الى المعنى نفسه.
فهو يؤكد من انه ( كلما زاد وعيك زادت معاناتك). ولهذا اختلف بعض المفكرين، فمنهم من ذهب الى ان الوعي نعمة. في حين ذهب توماس كري من ان الجهل في بعض الاحيان يبدو كنعمة مفقودة وهي ملاذ من ثقل الحقيقة التي يحاول ان ينقلها البعض.
وتحديداً للذين يبحثون عن المتعة في أعلى تجلياتها .
و نفهم من قول الفيلسوف نيتشه، من ان الحقيقة قد يتصورها البعض ليست حالة جيدة، قد حالة مرضية. لذلك تبدو معاناة الواعين في المجتمعات الناهضة أمراً مكلفاً على اللاواعين منهم.
هذا الامر هو الذي جعل الروائي ( كافكا) ان يشخص هذه المعاناة بقوله:
- ( ان الواعين هم الذين يعانون من أنفسهم... وهم ليس لديهم معاناة من اشخاص آخرين).
هذه المعاناة تعبر عن وجع الروح، التي تجعلنا عاجزين من استيعاب ترهات الآخرين، وهمومهم السطحية التي يلقونها على عاتقنا، وهؤلاء السطحيون غير واعين لما تعانيه مجتمعاتهم من صراع أبدي بين قيم (العلم والمعرفة ومنضومة القبيلة والدين والسلطة)، و أن المحن والالم عند الواعين في مخرجاته يتجلى في ألمَين:
- الأول / الألم الروحي: ويُقصد به ذلك الوجع الروحي، وهو الثقل الذي يجعلنا افراداً ومجتمعات عن ايجاد سبل الناجعة للنهوض بمجتمعاتنا واوطاننا فنلوذُ عاجزين ، مرّة بالصمت، وأخرى بالقبول ، وثالثة بالأستغباء او المراءات . وان الألم الداخلي
الروحي لطالما هو غير مرئي بل يشعر به الفرد كما يقول ( البير كامو)،
نكوصاً مجتمعياً وسلوكاً يشوبه الكثير من الإحباط حدَ اللامبالاة.
- الثاني: الألم المادي: ويقصدُ الألم الذي يترك الفرد الواعي والمجتمعات الشعبية تشعر
بالحرمان والحاجة بالقياس الى مبدأ العدل النسبي، فضلاً عن شيوع مظاهر الحرمان في حقوق الفرد في مجتمعاتنا التي يلخصها العالم (ماسلو) في العيش الكريم والأمن الوافر وحق السكن والخدمات الأساسية التي يحتاجها الفرد. لا سيما وان مجتمعاتنا وبسبب تطور وسائل التواصل الاجتماعي صارت لديها رؤيا
ان تصل الى ما وصلت اليها بعض المجتمعات حد الحصول على حقوقها
كاملة حتى تصل الى مجتمع ( الرفاهية). وبذلك يمكننا القول ان مجتمعاتنا تعاني الأمرين في الألم الروحي ، والألم المادي واللاوعي قد لايبالي بالألم الروحي ووجعه المتشظي لكنهُ يدفعُ اثماناً باهضة امام ألمه المادي (حاجاته المادية).
والجدير بالذكر ان اصعب انواع يمثله الألم الداخلي، الذي يقول عنه ( البير كامو)، انه اصعب انواع الالم الداخلي كونه ألماً لا يُرى... لا بل ألماً يشعر به الفرد. يُثبط عزائم الواعين والمثقفين العضويين ويؤخر مجتمعاتهم من التقدم.
وإنّ من مساوىء هذا الألم، انك لا تستطيع ابعاد سبب ألمك.... لأنه صراع يتجاوز الفهم يجعل كل محاولة لاختراعك لمشاكل عند الآخرين... فهو أشبه بجرح جديد يضاف الى الجِراح المتراكمة والتي تسبب خسارات أخرى.
هنا علينا ان نتحدث بواقعية علمية ونشخص الخلل أين يكمن. فالألمين الروحي والمادي، قد يُعادلهما فعل التكيف عند علماء النفس ، أو قد ينتج عنها فعل التحدي علماء الاجتماع والانثربولوجي. هذا الامر يحتاج من الجماعة الوطنية والمثقف العضوي قدراً من التنازل الواعي.
رغم ان هذا الامر فيه محاذير كما يقول العالِم ( اسبروز بيرس)، حيث يحذر المثقفين من ان يتنازلوا ، حتى يكونوا اجتماعيين جداً، فأن هذا الامر يستدعي من الجماعة الوطنية والمثقف العضوي فيها ان يمتلك شحنة هائلة من النفاق المجتمعي . لكن الفيلسوف نيتشه في كتابه ( هكذا تكلّم زرادشت) يتحدث عكس ذلك.
إذ يعلّق على ظاهرة التكيف أو التحدي، من انهما لا تستلزمان قواعد النفاق المجتمعي،،، فهو يصر اشتراط وجود على مبدأ الفرد وعياً وسلوكاً. ( من يريد ان يظل نقياً بين البشر فعليه ان