الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هذا نشيدي افتحوا البحر.. هذا موتي الاخير


هذا نشيدي افتحوا البحر.. هذا موتي الاخير

من ديوان من ظلال كرومها

 

ايمان عبد الحسين

 

  يعد التكرار من الظواهر اللغوية التي يتسم بها النص الشعري، وكل مبدع له طريقة في الاستعانة به تبعا لرؤيته الخاصة لتحقيق معنى محدد او معاني متعددة ، وذلك عبر صور يريدها ان تتجسد من خلاله، اضافة ان دخول التكرار في موضوع أي نص شعري يضع هذا الموضوع في موضع التأكيد والاهمية، كما انه يعد وسيلة للوصول إلى المعنى بايسر الطرق واكثرها تاثيراً، وربما تتبدى وظيفة التكرارالتي يطلع فيها الشاعر من اجل بلورة نص شعري جديد متأتى من قناعته الأكيدة على اهميته فهوتقنية يضيفها الى نصه ليؤكد المبنى والمعنى معا ، وهو وظيفة لا يختص بها الشعروحده بل يشترك بالتكرارمجالات ابداعية اخرى،( التكرار هو احد الادوات الفنية الاساسية في النص ، ويستعمل في التاليف الموسيقي ، وفي الرسم ،وفي الشعر والنثر)(موسعى ربابعة، التكرار في الشعر الجاهلي ،163)،وان القصيدتين- هذا نشيدي افتحوا البحر، وقصيدة هذا موتي الاخيرالذي نحن بصدد قراءتهما من المجموعة الشعرية من ظلال كرومها الصادرة من دار الشؤون الثقافية العامة للشاعر نصير الشيخ ، من هذه الزاوية هنا ذلك لانها تعد من بين القراءات التي توصلنا الى النتائج التي نريد استخلاصها ، لا سيما ان الشعر كبقية الابدعات الاخرى لا يمكن الوصول الى مضامينه ومعانيه دون تفكيك البنى الفنية فيه، وفي اعتقادي ان التكرارهو سلطة تمارسها كلمة لها هيمنتهاعلى ذهنية الشاعر يستعين بها كوسيلة ينقل دلالة ما يريد ايصاله والتاكيد عليه من خلالها ، لا سيما ان كل نص شعري لا بد ان يحمل عددا كبيرا من الحروف والكلمات وان اختيارالتكرار يتم وفق ما تعنيه هذه بالنسبة للشاعر ولا يكون هذا ممكنا الا في السياق التأويلي لمعنى معين يريد ان يرمز اليه ، ولكي نفهم ما ترمي اليه اي قراءة ينبغي ان ننطلق من التاكيد ان كل كلمة تكون علامة داخل النص الشعري، وان بتكرارها اكثر من مره ما هو الا وسيلة لاعطائها المكانة المميزة، لذلك ربما تتبادرفي ذهننا اسئلة بهذا الخصوص تركز عن  ما هي العلاقة الخفية التي تربط بين المبدع وبين التركيزعلى اختيار مفردة ما و محاولة إبرازها ؟،  وما المؤثرات والامكانيات التعبيرية لهذه المفردة لكي تقع تحت هاجس ايصال المعنى المبتغاة من تكرارها ؟ فمنذ العنوان يطلق الشاعر نصير الشيخ في القصيدتين احساسه الخاص ويعرض الجوانب الجوانيه من ذاتيته بكل ما يكتنفها من شوق وحزن جاعلاً من التكرارطريقة محددة يرى من خلالها وسيلة للانفتاح على ما يريد قوله ، فهو منذ البدء يحاول مقارعة افكاره وتنبيهها من خلال اسم الاشاره المخاطب –هذا- الذي يتكرر في عنوان كلا القصيدتين الامرالذي اسهم في بعث الحيوية والحركة في نصهما الشعري ككل ، وهو ما يؤكد من ان اهمية النص الشعري لا تكمن فيما يقولـه الشاعر فقط، بل يعزو ذلك في طريقة  صوغ هذا القول ايضا ، وان الشاعر في اختياره التكرار مفاتيح اساسية ليؤطر بهما كلا القصيدتين ويجعلهما بنية واضحة المعالم حيال ذهن المتلقي كانت وراء تغليب قصيدتين لا تتجاوزكل واحدة منهما الصفحتين والنصف بسيل من التكرارات المتعددة والمتنوعة باعتبار اليات حضوره في النص الشعري عاملا مؤثرا على طرح المضمون من خلاله، وهذا بالتحديد ما دفعنا الى اعتماده حقلاً لمادة الاشتغال عليه ذلك لما له من انعكاسات على مستوى المضامين.

وفي هذا السياق وبما اننا عمدنا على استجلاء التكرار في كلا القصيدتين بوصفه اداة تعبيرية قادرة في تفاعلها مع العناصر اللغوية الاخرى على تشخيص الرؤية الفنية وانتاج الدلالة والذي اختاره الشاعر من بين تقنيات متعددة لتمرير خطابه الشعري، نجد ان التكرارات في قصيدة هذا نشيدي افتحوا البحر تجتمع وتتجسد منذ البدء منذ مطلع القصيدة الذي يقول الشاعر فيه -الهجير – في هجير الهجر تلفحني حروفك / والمبتدا فيك احتطاب الهاجرة- فالتكرار يبدوهنا لـه فعاليته وحركيته الواضحة الحضور، الذي ايقاعها يتجاوب مع الحالة الشعورية للشاعراذ يقوم هذا النمط  من التكرار الهجير- هجير الهجر-الهاجرة على تكرار نحوي في شطر شعري واحد يحقق توازنا في الايقاع ( كونه عبارة عن تماثل او تعادل المباني والمعاني)(عبد الواحد حسب الشيخ،البديع والتوازي،ص9)،اضافة الى انه تكرار يحقق التوازن فهو يحقق  التجاورفي الوقت ذاته وهو ما يطلق عليه التكرار اللفظي المتجاور، كما نرى في هذه السطر تكرار حرف الجيم اربع مرات والجيم حرف مهجور وهو الحرف الخامس من حروف الهجاء يوحي بالشدة والقوة والشاعر كرر الحرف ليدل على مدى الشوق الى الحبيبة ،كما ان تكرار الكلمة ادى الى زيادة التأكيد على هذا الشوق واضاءته ،وادى في اقامة تواصل سريع مع القارىء وذلك بانفتاح ذهنه على المعنى المراد بطريقة سهلةً مطواعةً.

   ومن هنا نجد ان الايقاع على امتداد القصيدة يتزايد بتتابع عدد من التكرارات المتسارعة التي باتت تتبع احدها الاخر، فما ينتهي من تكرار يبث عبره شوقه حتى يبث مكملا له شوقا اخر، فهو الشاعرالذي طرح ذاتيته في مناخٍ انفعالي مبتعدا فيها عن الرؤية المتأنية ، وان احاسيسه تصاعدت اتجاه الاخر فاستبدل الحياة واثر الموت عليها وهذا ما يبدو في نص يرمي بمفرداته الى حقل دلالي يمثل الشوق والبعد والموت، والدليل في مجيء تراكيب: مثل موتي على قنديل احلامك،رف من عصافيرعلى اشجار عصيانك، اغنية سوى صوتك يلهو في حواري طفولتي - خبزا غير وجهك في سلال الخوص تعلو،- مسبوقة بعبارة (لا اختار) التي تتكرر في بداية اربعة ابيات متتالية رأسيا وهو ما يطلق عليه التكرارالاستهلالي كلها تنطلق من صور متنوعة ولكنها تعبرعن معنى واحد تربط بين الكلمات علاقات تقوم في تسلسلها وحصولها على الحيوية الايقاعية، كما انها تكتسب قيمتها بما يرتبط بها من معنى ( الشاعر الحديث يكرر العبارة في صدر البيت احيانا لينطلق منها الى تتبع جوانب المعنى الواحد واستقصاء مظاهر التعدد كما يراها بعين خياله) ( شفيع السيد ، النظم وبناء الاسلوب في البلاغة العربية،ص143) ، وان هذه التكرارات جاءت معبرة عن الحالة الشعورية للشاعرالذي بتوظيفه في بداية المقطع عبارة(لا اختار) يؤشر عن مدى حمّى الإقصاء الذي مارسه الشاعر ، وليس أدلّ على ذلك من أن كل تحول في صور الذات الشاعرة استلزم من خلال هذا التحول الى الاخر منعطفاً حقيقياً في مسارها، وقد استخدمه الشاعر ليظهر مدى انكساره وهو يخاطب محبوبته، فالحضور من المتكلم الى المخاطب يؤكد الحضورالفعلي للمخاطب في وجدان الشاعر، وفي كلا الضميرين يحاول الكشف عن رؤيتة التي تجسد حالة من التوحد مع الاخر من خلال اقتران التكرار بضميرالمتكلم وانتهائه بضمير الغائب بارتباط الاسماء  بضمير ( الكاف) المكرر وهي (احلامك، عصيانك،صوتك،وجهك)  وهو حرف يعد  من الحروف المهموسة التي توحي بالقوة والفاعلية( وهو صوت مهموس لا يحدث النطق  ذبذبة في الاواتار  الصوتية )(  محمد التونجي وراجي الاسمر، المعجم المفصل في علم اللغة ،  بيروت، ص65 )، ويستمرانتاج المعنى الذي تنطوي عليه عملية التوصيل الذي اعتمده الشاعر من خلال التكرارات على طوال القصيدة وفيه تشترك تكرار كلمة (بي) الذي يكون الياء فيه ضميراً احالياً وهو متصل والمحال اليه هنا الشاعر وان الاحالة  نوع من  الاحالة المقامية ،  فتتكرر العبارة راسيا بداية كل مقطع: بي من نبال الدهر ملحمة وريدها لكفوفك لتخيط عافية تبرقعها، وتسدل فوقها قمرا وحيدا/بي من رياح البر جرح فوق جبعته عمري المكسور يدعوك سراعا /بي من ليالي السهد رابية اطل بها على اقمارك المترامية اتزهد السحر واطوي نجمتي خلف جناحيك- ان هذا التكرار بمثابة التأكيد الذي اتخذه الشاعر مرتكزا للتعبيرعن كما ياتي لاحقا، مثلما الحال مع تكرار حرف الجر( في) الذي جاء اربع مرات متتالية وهو يعد من الحروف التي تسهم في توسيع حيز المكان الذي يحاول الشاعر التوسعه فيه بقوله:احييك / هنا وسط البرية في شغاف الصبر في وكنات الامي وفي ليل عصي  في الخيام البيض تسبح للابد، ثم يلي ذلك في تكرار (لي):- منك ابتدات / ولي تواريخي الضرجة الحنين ولي هواء لا اسميه / ولي ايقونة عرفت طريق الرب في فلواتك / لي من مياه العرش بئر دلوها انت واخره مؤجلة قيامها صباحك وانشداد السحر بالشمس- ، من الواضح  نرى ان طبيعة التكرار في السياق اللغوي للقصيدة من السعة وان هذا يجده القارىء في بنية النص الشعري ليس بما يعتمده الشاعر على الاستمرار في التكرارات فحسب، انما في نظام ايراد المفردة ومن ثم تكرارها متبوعة بالواو الذي جاءت العبارة مسترسلة مسبوقة بواو العطف وهو من معانيه الفاعلية والاستمرارية ، بعيارة اخرى ان الشاعر حين ربط  الجملة بالواو الزمانية وهي اكثر الحروف تمثيلا لواقع العطف ليحقق من خلالها انفتاحا واسعا وهذا يتناغم مع الدلالة التي يقصدها المقرونة باحساس عاطفي الذي تكراره يكثف المعاني تكثيفا راسيا من خلال وجوده في بداية كل بيت ، وان الشاعر في نصه الشعري هذا لم يقتصر على تكرار الحرف والكلمة فقط بل تجاوزها الى تكرار العبارة وهي التي تتحقق من تالف الكلمات لتكون جملة مترابطة تؤدي معنى محدد فتكررت هنا عبارة ( لي من غيابك) ليؤكد التنوع ويخدم المعنى فهويحاول هنا تسليط الضوء على ما بعد العبارة حيث كرر الشاعرعبارة لي من غيابك موتي القبلي اسئلة الخراب على اسنة دمعتي وخرابي/لي من غيابك طعنة وشرود قافلة وايام يتامى في طريق سرابي/لي من غيابك شهقة حرى وتوطئة لمعاني وموت للفصول/ لي من غيابك الف جارحة وصاعقة وتاويل وحيد للذهول/ لي من غيابك مشهد للتدليل-، استعان الشاعر بالتكرار هنا نتيجة للاحاح الفكرة على ذهنيته فاراد التعبيرعنها بشدة، وان ارتباط من غيابك ب لي وتكرارها ثلاث مرات افادت معنى متنوع ومنحها بعدا دلاليا جديدا ايضا، وان الاعتماد على ضمير المتكلم في صيغة ياء المتكلم وهو ضمير جاء متصلا بالاسم  والذي ربط الشاعر ذاته به وفيها يبرز الحب والاكتواء بنار البعد الذي يحمله الى الاخر وهذا يتمثل في تكرار الياء في الكلمات التالية  (-موتي – دمعتي-سرابي- معاني)  ايضا،  فالشاعريعتمد في البدء على ضميرالغائب المرتبط بالكاف (غيابك)  وهو من الحروف التي تستدعي التشبيه ثم يلحقه بالضمير المتكلم المرتبط بالياء (لي) وهو الضمير المتصل المحال اليه (هو الذات الشاعرة ) ، كما  يزيد من تكرار حرف اللام المتوسط الشدة ويتحقق ذلك من خلال جرس الحروف ( الفصول، الذهول، التدليل)  الابيات نوعا من التماسك اتجاه معنى الوحدة وشدة الشوق وتكسب القصيدة ايقاعها فهو من الحروف (متوسط الشدة وصوت هذا الحرف يوحي بمزيج من الليونة والمرونة والتماسك) (حسن عباس ، خصائص الحروف العربية ومعانيها ،ص71.

 وفي قصيدة اخرى للديوان نفسه بعنوان -هذا موتي الاخر- يعاود الشاعر رسم  ذات المشاعر والاحاسيس والصور وتصبح التكرارات تعبيرا عن حالة من التأكيد والانصهار في الاخر،وتحقيق الايقاع الموسيقي الداخلي للقصيدة، والاستئناف برحلتها وراء الامساك بالمعنى الذي يريد الشاعر ايصاله بيسر ، فالشاعر يخاطب الموت فيه منذ البدء منذ العنوان الذي يعود اسم الاشارة هذا على ثيمة الموت ومن هنا نرى ان التكرار في هذه القصيدة وفي القصيدة السابقة قائماً وفق التكرار الداخلي اي التكرار النابع من التجربة الذاتية للشاعرالتي يقوم بها بترجمة عواطفه واحاسيسه اتجاه الاخر:وله الوصايا اذ رحل/ وهو البريا اذ نزل/وله الخطايا ، اذ غوى ثم اكتمل - لقد جاء هذا التكرار في بداية القصيدة كوصف للاحالة على الاخر،ونشير مجددا الى ما تحمله حرف اللام الذي هو الحرف الثالث والعشرون من الحروف الابجدية وهو مجهور ومخرجه من اللسان ، من ابعاد شعرية  تحمل معنى الوحدة بتكراره في العبارات التالية هنا( البريا- الخطايا- اكتمل)ثم يتواصل في الابيات التالية:وهو الشظايا طوقته وعرشت /فوق الجسد وهو انفجارك للابد / وهو احتراق مدينة فوق الزبد / هو موعد الربان من لهث العذارى- وتعد الاحالة هنا وسيلة مهمة لتحقيق اتساق النص وفق العلاقة بين الالفاظ وما تحيل عليه داخل النص لا سيما ان الاحالة تتطلب الاستعانة بالمعلومة اللازمة لتأويل العنصر المبهم لتنفتح في مداها الأخير ، فمن خلال العناصر الاحالية تتشكل مجموعة من العلاقات التي تجمع عناصر خفية تزيل الغموض عنها، وياتي هنا من تكرار الضميرالذي يعد العنصرالاكثر استعمالا في الاحالة بين معطيات النص وهو الاكثر تداولا فالضمير دائما تكون له سلطة داخل النص نتلمسه عبر امكانياته على استحضار الغائب ليكتمل وينكشف المعنى فيه، فالضمير الوجودي هنا (هو) الذي هو حسب تقسيمات محمد خطابي من الضمائر الوجودية اي الدالة على الملكية التي تحيل على المتكلم والمخاطب وتكون احالتها خارج النص لان المتكلم هو مرسل الخطاب، كما ان مجيء تكرار حرف الروي الدال بتكراره في نهاية الابيات يزيد من ايقاع الجرس الموسيقي في القصيدة ( احد- الكمد- الزبرجد-المسد- الزبد- الامد – للابد- الجسد) وهو من الحروف التي تمتلك موسيقى ما يكسب الابيات قيمة ايقاعية وايحائية كما يعده البعض من الحروف الناطقة المنسوبة الى الفلك التي تعد باردة ورطبة ايضا، وان هذا التكرار الصوتي للحرف يعد المادة الاساسية في تشكيل اللغة التي تتكون من الحروف والجمل والكلمات حيث يعد التكرار (الصوتي من انماط التكرار المنتشرة والشائعة ويتمثل في تكرار حرف يهيمن صوتيا في بنية المقطع او القصيدة )(امال دهنون ، جماليات التكرار في القصيدة المعاصرة ، ص4)  اضافة الى ان حرف الدال ذو الصوت الانفجاري المجهور يحمل في ايقاعه نبرات، والكلمات التي ورد فيها الدال تعبر عن الغياب والفناء والشوق والتي يعبر فيها الشاعر تعبيرا صريحا عن ذاته والتي نرى حضوره واضحا في القصيدة من الضميرالمتصل الياء (سفائني- مدائني) وذلك باعتماد الشاعر ضمير المتكلم بصيغة ياء المتكلم ، وبما ان من مميزات التكرار انه يزيد المكرر تميزاً، فالشاعر بتكراره الضمير المنفصل (هو) العائد على الاخر مرات عديدة يوحي هنا بالقوة من خلال احلاله رتبة المبتدا، الذي لبروزه وتصدره  معاني أهم مايميّزها انها تجمع صفة يراد منها السعي في الهيمنة،وهو الطلول اسيرة / وارخبيل ضاع في قاع التداعي / ماء يرشف الليل البعيد / ولا احد / وهو المدارات العصية طوقت / جيد الكواكب والترائب / والتوت حبل مسد /هو لا احد /وهو اختطاف نجيمة شعت / على قمر احد / وهو اشتعال سفائني فوق الزبد/وهو التشتت والتجمع/ والتوحد والتفرق/ والامد/هو لا احد /وهو انفجار جموحنا / وهو احتدامك للابد/وهو احتراق مدائن الزمن –الزبد /وهو انطفاء مرافىء الصوت – الجسد /وهو احتراق مدائني / هو لا احد /هو لا احد- نرى في هذه الابيات ان الشاعر استخدم تكرار النفي هنا لينفي ويؤكد في الوقت ذاته ، وان هذا التكرار للنفي يشكل انعكاسا للرفض لما  يسبقه في بداية البيت وله اهميته من حيث كونه يعيد الاطراف الى بؤرة واحدة ، وبذلك حقق المعنى الذي اراد ايصاله، ومن الملاحظ ان هذا البيت قائما على مجموعة من الثنائيات الضدية يجمع الشاعر فيها ما بين علاقات التشتت والتجمع/ والتوحد والتفرق، كما يبدو ان العنصر الاكثر استعمالا في القصيدة الضمير (هو)  بتكراره المهيمن منح النص الشعري قدراً من الاتساق ما اسهمت في تواصل اجزائها بحيث يكون السابق جزءاً لا يتجزأ من اللاحق ، وان دلالتها نتجت في تعالقهما معاً ،بعبارة اخرى ان تحقيق الدلالة في النص الشعري نجدها نتاج التفاعل ما بين المتجاورات مما جعل القصيدة  تغدو موضع قوة وانسجام من بدايتها الى نهايتها (أن سر الانسجام يكمن في التكرار والتنويع في آن واحد) د. عبد الله الطيب المجذوب/ مصطفى البابي الحلبي/ المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها القاهرة/ ط1/ 1955/39 ـ 40.

تلخيصا في كل ما تقدم سابقا من ان الشاعر وهو يحاول  الالحاح على  تناول التكرارات بهذه الصيغة القائمة على تكرارالمفردات و الذي استخدامه  في القصيدتين بكثرة زاد من الايقاع قوة وكثافة ، كما ادى الى وضوح الموضوع في ذهنية قارئه، وجعل منها قصيدة قائمة على نظام المقاطع فكل مقطع يحمل معناً خاصاً مرتبطا بالمعنى العام للقصيدة ، وهذا يدل على ان الشاعرلكي يحقق هذا لا بد من ان يكون مشبعا بموضوعه الى درجة التماهي معه، وانها لا بد  انها ترتبط بذاته وبحياته الخاصة.


مشاهدات 51
الكاتب ايمان عبد الحسين
أضيف 2025/01/18 - 12:45 AM
آخر تحديث 2025/01/18 - 4:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 108 الشهر 8024 الكلي 10197989
الوقت الآن
السبت 2025/1/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير