الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تكسر الأقلام عند أعتاب السنوات

بواسطة azzaman

تكسر الأقلام عند أعتاب السنوات

هناء عطية

 

كانت “سلمى” تعيش في ظلال الليل، حيث يتحوّل الحيّ الذي تسكن فيه إلى مأوى للضياع. امرأة في الثلاثين من عمرها، جميلة بما يكفي لتأسر الأنظار، لكنها تحمل على وجهها ملامح حزن عتيق لا تخطئه عين. كانت كل ليلة ترتدي زيًّا مختلفًا وتخرج لتواجه نظرات الرجال واحتقار النساء، ولكن ما لم يره أحد هو حقيبة صغيرة تخبئها في غرفتها، تحتوي على دفترٍ قديم وأقلام مكسورة. في يوم من الأيام، بينما كانت تسير في الحيّ، قابلها شاب يدعى “آدم”، يعمل كاتبًا ومهتمًا بتوثيق قصص الناس. لم يكن ينظر إليها كما يفعل الآخرون، بل كانت عيناه تبحثان عن شيء أعمق. اقترب منها وسأل:

لماذا يبدو على وجهك أنك تحملين قصة لم تُروَ بعد؟

تفاجأت سلمى بسؤاله، لكنها لم تجبه، فقط ابتسمت بسخرية ومضت في طريقها. لم يتوقف آدم عن محاولة الاقتراب منها، وفي كل مرة كان يعرض عليها أن يتحدثا. في النهاية، استسلمت لرغبتها في الحديث.

اجتمعا في مقهى بسيط، وهناك بدأت سلمى تسرد قصتها:

كنت يومًا ما فتاة تعشق الكتابة. كنت أؤمن أن الكلمات يمكنها أن تغيّر العالم، أن تداوي الجراح. أردت أن أصبح كاتبة مشهورة، وأن أرى اسمي يلمع بين الكتب. لكن في عالمنا، الكلمات لا تملك قيمة إذا لم تكن مدعومة بقوة المال أو النفوذ. كُسرت أقلامي عندما أراد أحدهم أن يشتري حلمي بثمن بخس. رفضت… وظللت أكتب. لكن عندما جاء الجوع والضياع، اكتشفت أن الأحلام لا تُطعم الجائعين.”

انخفض صوتها وهي تكمل:

تلك الحقيبة التي أتركها في غرفتي، بها أوراقي التي كتبتها في لحظات كنت أبحث فيها عن نفسي. لكنها الآن مجرد ذكرى، لأنني تعلّمت أن العالم لا يرحم.”

أصابه كلامها بالذهول، وأدرك أن وراء هذه المرأة التي يحكم عليها الناس قصة إنسانية عميقة. قرر أن يساعدها، ليس بالشفقة، بل بأن يعيد إليها الحلم الذي ضاع منها. أخذ أوراقها القديمة وبدأ يقرأ. وجد فيها ما لم يجده في أي كتاب آخر: صدق ممزوج بالألم، وعمق ينبع من قلب يعرف معنى الانكسار. بعد أشهر من العمل المشترك، نشر آدم أول كتاب لسلمى. حمل العنوان الذي لطالما كانت تؤمن به:

تكسر الأقلام عند أعتاب العاهرات

في مقدمة الكتاب، كتبت سلمى:

عندما حكمتم عليّ بالنسيان، كنت أكتب. عندما كسرتم أقلامي، كنت أكتب. وعندما ظننتم أنني انتهيت، كانت الكلمات تنتظر لحظة انتصارها. هذا الكتاب ليس عني فقط، بل عن كل من جُرّد من حقه في الحلم.”

نجح الكتاب نجاحًا باهرًا، وعادت سلمى إلى الحياة، ليس لأنها أصبحت كاتبة مشهورة، بل لأنها استعادت قلمها، الذي أثبت أن الحلم لا يموت حتى في أحلك الظروف.


مشاهدات 68
أضيف 2025/01/01 - 2:18 PM
آخر تحديث 2025/01/04 - 3:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 24 الشهر 1821 الكلي 10091786
الوقت الآن
الأحد 2025/1/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير