رؤية أمريكية حذرة.. التأثير التركي في سوريا بعد سقوط الأسد
محمد علي الحيدري
مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، أصبحت تركيا لاعبا أساسيا في إعادة تشكيل الخارطة السياسية في سوريا.
هذه التطورات دفعت الولايات المتحدة إلى مراقبة الدور التركي المتنامي بحذر، وسط قلق متزايد من تداعيات النفوذ التركي على توازن القوى في المنطقة.
من جهتها تتحرك أنقرة بسرعة لملء الفراغ السياسي الذي خلفه غياب النظام السوري، في محاولة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي وحماية مصالحها الأمنية. إلا أن هذا المسار يثير تساؤلات في الأوساط الأمريكية، خصوصا فيما يتعلق بتأثيره على الأكراد في شمال سوريا. معلوم ان الولايات المتحدة تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعتبرها تركيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي.
أزمة جديدة
وهناك خشية من أن تؤدي هذه التعارضات إلى تفاقم التوترات بين البلدين، ما قد يخلق أزمة جديدة في العلاقات التركية-الأمريكية.
وبحسب مصادر أمريكية مطلعة، فإن واشنطن ترى في التحركات التركية محاولة للسيطرة على المشهد السوري بشكل يفوق الدور المتوقع لأي دولة إقليمية أخرى. وهذا التوجه يجعل الإدارة الأمريكية قلقة من أن يؤدي نجاح تركيا في سوريا إلى تعزيز نفوذها ليس فقط في سوريا، بل في دول أخرى مثل لبنان والعراق، حيث تضعف قبضة إيران مع الوقت.
مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية نبهت إلى أن نجاح تركيا في سوريا قد يشكل حجر الأساس لإعادة تشكيل نفوذها في المنطقة ككل، ما قد يغير ميزان القوى الإقليمي بشكل جذري.
ورغم هذه المخاوف، فإن أنقرة وواشنطن ما زالتا تتشاركان رؤية واحدة حول أهمية الحفاظ على استقرار سوريا ومنع وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية.
لذا فان لقاءات مكثفة جمعت مسؤولين من البلدين، وأكد الطرفان على ضرورة تشكيل إدارة سياسية شاملة تضم جميع الأطياف السورية، كخطوة ضرورية لضمان عدم تفكك البلاد أو انزلاقها إلى مزيد من الفوضى.
إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى أن تركيا لن تكتفي بالمشاركة السياسية، بل تسعى لترسيخ وجودها عسكريا واقتصاديا، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع المصالح الأمريكية في شمال شرق سوريا.
ومع توسع العمليات التركية في المناطق الحدودية، يتزايد الضغط داخل واشنطن لاتخاذ خطوات تحد من النفوذ التركي، خاصة إذا ما استمرت أنقرة في تضييق الخناق على قوات “قسد”. النقاش حول الدور التركي في سوريا لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يشمل أيضا البعد الاقتصادي والسياسي. فأنقرة تعمل على إعادة تأهيل مناطق الشمال السوري من خلال مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، في محاولة لكسب ولاء المجتمعات المحلية وتأمين عمقها الاستراتيجي في سوريا.
صياغة مستقبل
وبينما تبقى التحالفات الدولية ركيزة أساسية في صياغة مستقبل سوريا، فإن الولايات المتحدة تجد نفسها أمام معضلة حقيقية في التعامل مع تركيا. من جهة.
لا يمكن لواشنطن تجاهل أهمية أنقرة كحليف في الناتو، ومن جهة أخرى، لا يمكنها السماح لتركيا بتعزيز نفوذها على حساب المصالح الأمريكية والكردية في المنطقة.
لذا سيظل التوازن بين المصالح التركية والأمريكية في سوريا هشا، وقد يتطلب الأمر من الطرفين تقديم تنازلات صعبة لتجنب تصعيد محتمل. بيد أن المعطيات الحالية تشير إلى أن تركيا ماضية في استراتيجيتها، حتى وإن أدى ذلك إلى تعقيد علاقتها بواشنطن.