سوريا… حين يصبح السلاح شريكاً في السياسة
محمد علي الحيدري
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، انفتحت أبواب جديدة أمام الأزمة السورية، لكنها لم تفضِ إلى حلول بقدر ما أفرزت تحديات أكثر تعقيداً. ففي قلب هذا المشهد المتشابك، تتباين القوى السورية، ويتعاظم الخلاف بين الفصائل الإسلامية المسلحة، بينما تسعى القوى العلمانية لحجز مقعد في صياغة خارطة طريق مستقبلية لسوريا، في ظل غياب واضح لرؤية موحدة.
"هيئة تحرير الشام"، بقيادة أبو محمد الجولاني، باتت لاعبا رئيسيا في الشمال السوري، لكنها ليست وحدها على الساحة. فصائل أخرى تحمل رؤى مختلفة ومخاوف متزايدة من هيمنة الهيئة، ما يجعل التحالفات بين القوى المسلحة هشّة ومتأرجحة. تصريحات الجولاني ، التي أكد فيها أن الهدف هو استعادة المدن الرئيسية من قبضة النظام السابق، أثارت أسئلة حول طموح الهيئة ومدى استعدادها لاستيعاب الفصائل الأخرى تحت مظلتها أو مواجهتها إذا اقتضت الضرورة.
وفي الوقت الذي تعزز فيه "تحرير الشام" حضورها العسكري بعد سقوط الأسد، تبرز مؤشرات على تصدع داخلي بين التيارات السلفية الجهادية الأقل انخراطا في الحسابات السياسية.
على الضفة الأخرى، لا تزال القوى العلمانية تبحث عن موطئ قدم في المشهد الجديد، محاولة كسر احتكار "السلاح" للقرار السياسي. وأصوات هذه القوى تعلو في المؤتمرات والمنتديات التي بدأت تتشكل عقب انهيار النظام، مطالبة بأن يكون المستقبل السوري مبنيا على توافق وطني لا يُقصي أحدا. ومع أن التحركات العلمانية تبدو خجولة أمام قوة الفصائل المسلحة، إلا أن حراكها يعكس رغبة في إعادة تشكيل بنية الدولة على أسس ديمقراطية ومدنية، مستفيدة من الحضور الإقليمي والدولي الذي يتبنى خطابها.
وسوف تظل معضلة بناء جيش وطني موحد من أكبر التحديات التي تواجه سوريا اليوم، إذ أن دمج الفصائل المختلفة في كيان واحد يفرض نفسه كضرورة أمنية وسياسية، لكنه يصطدم بتراكمات سنوات طويلة من العداء وانعدام الثقة بين القوى المتصارعة. المبادرات التي أطلقها الجولاني بشأن توحيد البنادق ودمج الثوار في جيش جديد، وإن كانت تلقى قبولًا من بعض الأطراف، إلا أنها تصطدم بتيارات ترفض الخضوع لقيادة الهيئة وترى في هذا الطرح محاولة لاحتواء الجميع تحت راية واحدة، لا تخدم سوى مشروعها الخاص.
في هذا السياق، تبدو سوريا معلقة بين مطرقة الفصائل المسلحة التي تتنازع النفوذ على الأرض، وسندان القوى السياسية التي تسعى لإعادة تعريف السلطة بما يتجاوز منطق الغلبة العسكرية.
المشهد السوري ما بعد الأسد ليس معركة خاسرة بالكامل، لكنه بلا شك معركة طويلة تتطلب تنازلات متبادلة وصياغة عقد اجتماعي جديد، يُرسي قواعد الاستقرار في بلد ما زال يبحث عن مخرج من رماد الحرب.