الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدولة العاقلة والشعب العاقل

بواسطة azzaman

الدولة العاقلة والشعب العاقل

مزهر الخفاجي

 

لا ادري لماذا بات البعض يلجأ الى فكرة الاطلاق او التعميم على الكثير من المفاهيم التي يحاولُ ان  يصرّح فيها او يصدرها لنا دون دليل علمي او تاريخي اوفكري او تحليل سياسي واجتماعي واضح... والادهى من ذلك ان الكثير من هؤلاء المُدعين في المعرفة  لم يخفِ هذا البعض اعجابه او تعكزه بالكثير من المقولات الشعبوية التي لا دليل لصحة مدلولاتها، وعلى المفاهيم الفكرية والثقافية والفلسفية ًوالتاريخية التي لايجوز القياس عليها.

فأبتلينا كمتلقين ببلوتين الاولى ظاه تصدير الاحكام والمفاهيم المجانية من أخر لايدري حجم الاثر الذي تتركهُ هذه المقولات  (وطنياً وسياسياً وثقافياً) والبلوى الثانية هو التعكز كما قلنا او تغليف هذه المقولات بمنهج او رؤية او درسٍ تاريخي اوفكري او ثقافي لم يعد صالحاً كمعيارٍ للأطلاق والتعميم ، فصار يستعين بها للتدليل على صحة ما يقول او ما يريد ان يسوّقهُ. فمثلاً... عندما يريد احدهم ان يصف الدولة يقول: هذه دولة عاقلة واخرى مجنونة... او هذا شعب عاقل وذاك شعب مجنون.

وهذه ديمقراطية عرجاء ، والاخرى ديمقراطية ناجحة.. وهذا شعب متحضر وذاك شعب متخلف.... دون ان يأخذ هذا المتبني لهذه المقولات... من ان الاطلاق ما هو الا امرٌ يحتوي على عوار كبير ولا يستقيم مع العقل والفكر.

وان الدولة العاقلة والشعب العاقل ما هما الا استعارة مجازية لحالة فردية لا يجوز توصيف الدولة برمتها والشعب كلّه فيها على اطلاقها  وهذا الأمر قد يخلق راي عام  ضاغط يُربك مناخ الأحتكام في الحوار على الدليل والوثيقة والراي الجماعي الذي لايزعزع من قناعة المرسل والمُتلقي فقط بل ممكن ان يُفرط بهويته الوطنية ..ويخلخل ثوابته الثقافية ويطعن حتى في قناعاته الفكرية ..

ملكَة التبصر

بعد هذه المقدمة الدسمة. دعونا نذهب الى المفاهيم التي اجتزئها البعض رغبة منهم لتكريس سوداوية المعنى وليس الى اختزاله.

فحوّل موضوع الاندفاع في اطلاق تلك الافكار التي يرجحها المفكر ( جوستاف لوبون) انما تعود الى ما يلتبس على العقل الجمعي، التي كما يقولو لوبون انها تتسم باربع مواصفات مهمة:

الأول: الاندفاع بالمشاعر.

الثاني: عدم القدرة على التعقل.

الثالث: فقدان ملكَة التبصر والنقد.

الرابع: التطرف في القاء الاحكام.

هذه هي المواصفات الشائعة في الكثير من الادبيات العامة والخاصة هي التي جعلت الكثير من علماء الاجتماع والمفكرين السياسيين يحذرون من ثقافة القطيع التي تقود الجميع بلا تبصُر الى صناعة فعاليتين :

-الاساءة لمفهوم الحرية.

-شيوع الفوضى في المجتمعات.

 عَوداً على بِدء... يمكننا ان نُعيد التساؤل والذي كان عنواناً لمقالتنا :-

هل هناك دولة عاقلة وشعب مجنون؟.

هل هناك شعب عاقل ودولة مجنونة؟.

حول هذه المواضيع يقول المفكر (جورج هيجل) الذي يعبر وبالذات عن فكرة وجود الدولة او فترة نشوئها.... انها أي الدولة:

- « تمثل الدولة حضور العقل في المجتمع او حضور العقل في التاريخ... ووجوده حين تغيب

فيه الدولة... حضور يغيب فيه العقل... وحضور تغيب فيه المؤسسات التي تنظم حياة

المجتمع... ومَن يحمي المجتمع يصح ان نقول انها الدولة، ومَن يحمي الدولة ويعقلن

وجودها ويضبط ادوارها إنما هو المجتمع الذي تأسس في بواكير وعيه الاولى على ثلاثية حاكم، شعبٌ، عقد اجتماعي (دستور) يتم التعاقد عليه بين منظومة الحكم السائد ومجتمعاتها التي رضيت بها وفق عقد اجتماعي واضح «.

منظومة الحكم

بعد الذي قلناه يمكن القول من انه لا وجود ولا كرامة لمجتمعاتنا البشرية دون وجود الدولة( منظومة الحكم) حكام ومؤساسات وقانون.

والدولة القوية التي نقصدها هي الدولة التي تمتلك شرعية وجودها من بيعة الشعب واختياره لها وصولها عبر المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحميها وتحافظ عليها وفق القانون المؤسسات العسكرية والأمنية  و مؤمنة بوجود الدولة وأهميتها في حماية المجتمع.

وان صيغة بقاء واستمرار  الدولة قوية محكوم بشرط التعاقد بينها وبين الشعب والمنصوص من  خلال دفاع افراد المجتمع عنها ومصالح البلاد والعباد ، ويكمن كذلك في استبسال هذه الدولة في توفير الامن والعيش الكريم وبسط سلطة القانون لتحقيق فرضـــــية ( العدل النسبي) فيها.

والدولة العاقلة القوية على رأي جوستاف لوبون تكمن في ضمانة هذه الدولة لحق المواطنين في العيش فضلا عن الحق في الاختلاف، هذه الدولة هي التي تجعل القانون له السلطة العليا فيها..بعيداً عن السلطات الأخرى .

ويذهب هيكل بعيداً حول هذه الجدلية حيث يقول:

- « ان التاريخ ليس مجرد أحداث... بل هو تطور العقل نحو الحرية من المعرفة الذي يكمله .

مَن يُساهم في صناعة ماضيه وحاضره ومستقبله».

هنا يؤكد هيكل على ان ظاهرة الصراعات المجتمعية هي طريق الحل من اجل الوصول للحلول الانسب لبناء هياكل مجتماعتنا ومؤسساتها السياسية، التي يقصد بها دولَها..عبر حوارٍ وطني وفكري وثقافي واجتماعي لايقودهُ المأزومين ولايتصدى لهُ انصاف المثقفين ولا الطائفيون ولا العنصريون ولا الوصوليون ولا الانتهازيون.

وان مصطلح الشعوب العاقلة يبدو مصطلحاً فضفاضاً، إذ لا يفرّق هذا الوصف بين الجنوح والخنوع للمستبد أم انه يعني التفضيل بين الوطن والحرية. وحول هذا الوصف ونقصد المجتمعات العاقلة.

حيث يقول فرانكلين  من ان المجتمعات الهادئة على انها المجتمعات التي تفرط بحريتها من اجل لقمة عيشها بالشكل التالي:

- « ان الخيار بين حرية الشعوب وكرامتها ولقمة عيشها، فَمَن يفرط بالحرية باسم الامان».

نعم فمع مرور الوقت يبدوا ان هذه المجتمعات التي تفرط بحريتها من اجل لقمة العيش  لن تحصل على الخبز ولا  الحرية... وسرعان ما تُكسر ارادة هذا المجتمعات حيث يتحول فيها الفرد الى عبد فأيّة قيمة للخبز الذي تأكله وانتَ مُنحنِ... وأيُّ لذة في طعام يقدّم لك مقابل صمتك؟؟!.

الحرية... ليست رفاهية... بل هي الحق الاصيل..  التي توفر الخبز بكرامة... لا ان تكون صدقة تلقى لك من عليين... لقد علمنا من التاريخ ان الشعوب التي اختارت الحرية هي التي صنعت قوتها.

اما اولئك الذي باعوا حريتهم من اجل الخبز لم يبق لهم لا وطن ولا حرية ولا رغيف خبز. وتحولوا الى قطيع يؤثر على خياراتهم او يخطفُ خياراتهم (انصاف المثقين والمأزومين والعنصررين ….)

 وعَوداً على ما ذكرناه سابقا، فالحرية التي يعي اهميتها الشعب ويدافعُ عنها بأستبسال والتي لايشوه معانيها انصاف المثقفون  هي التي تصنع الدولة العاقلة... وهي كذلك التي تصنع الشعب أو المجتمع العاقل، وتصنع الانسان الحرُ..

ولهذا المعنى يذهب المفكر عبد الرحمن الكواكبي لتحديد مفهوم الانسان الحرّ الذي يساهم في وعي مجتمعه والأخذ بيده.... حيث يورد:

- « فالحُرّ يمجد الفكرة... والعبد يمحي الشخص؟. والعبد من يفرغ عقله في حضرة السلطة

مِن اجل الجاه او اللقب.... والحر يسأل: هل ما يُقال حق، والعبد يسأل مَن الذي قال....

وهنا تكون الفروقات الحقيقية. فالعبودية ليست سجنا.. بل انطفاء عقل، والحرية ليست

صمتاً... بل انتصار للفكر على الخنوع».

لذلك فأن الحياة في الدولة الجاهلة مع وجود شعب المثقف حياتهُ تشبه حياة   يكللها الانتظار... ليست هي مرور الوقت، بل العيش فيه، فضلا على ان نحاول رغم الفشل.

ان الشعب العاقل هو الذي يتصدى ليه مفكريه وقادته ومثقفوه  واغنياءه وفقراءه ..

للوصول للحياة التي سيستقيم فيها الوعي، الذي يدفع باتجاه دولة عاقلة... حيث يجب ان نُرمّم كل ما انكسر او فقد من الشعب العاقل ليعيش الجميع بسلام.

ان الشعب العراقي والعربي امام خيارين لاثالث لهما:-

الاول /يجب ان يسعى الجميع واقصدُ الشعوب العاقلة من ان تدفع جماعتها الوطنية في استثمار الحُرية والتجربة الديموقراطية في التداول السلمي للسلطة في اختيار حكوماتها العادلة .

ثانياً/او أن يصنع لنا المأزومون الوصوليون المتزمتون الانتهازيون والفاسدون وانصاف المثقفين (يوتيبيا) اننا شعوب مجنونة لاتصلحُ لنا دولة عاقلة .؟؟!!


مشاهدات 63
الكاتب مزهر الخفاجي
أضيف 2025/08/31 - 3:44 PM
آخر تحديث 2025/09/01 - 3:29 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 91 الكلي 11417964
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير