كرامة الدولة تبدأ من جامعاتها
محمد الربيعي
لا شك ان ما عرف بـ»قائمة السفراء» التي وافق عليها البرلمان العراقي مؤخرا، والتي ضمت اصهارا وابناء واشقاء لشخصيات نافذة، قد استفزت مشاعر العراقيين وجرحت كرامتهم الوطنية. فأن يمنح تمثيل العراق الخارجي لاشخاص يفتقرون الى الكفاءة والخبرة، هو استخفاف صارخ بصورة الدولة ومكانتها بين الامم. وقد اجمع العراقيون، بمختلف توجهاتهم، على رفض هذا العبث، محمّلين مجلس النواب مسؤولية التلاعب بأمال الشعب، ومطالبين بالغاء التصويت المشين. كما دعوا رئاسة الجمهورية، بصفتها الحارس الدستوري، الى رفض هذه القائمة واعادتها لمناقشة السير الذاتية والكفاءات الحقيقية لمن يمثل العراق في الخارج. لكن ما يثير القلق اكثر، هو ان هذا النموذج من المحاصصة والولاءات الحزبية لا يقتصر على التمثيل الدبلوماسي، بل يتغلغل في عمق المؤسسات الاكاديمية، حيث يفترض ان تكون الكفاءة والنزاهة هما المعياران الوحيدان. فالتعيينات الولائية في التعليم العالي، خصوصا في اختيار العمداء، تمر بصمت مريب، حتى من قبل بعض الاكاديميين الذين يفترض بهم الدفاع عن استقلالية الجامعات وكرامة المهنة. ان تعيين عمداء على اساس الولاء السياسي، لا على اساس الكفاءة العلمية والادارية، هو جريمة بحق مستقبل التعليم في العراق. انه اغتيال لقانون الشرف الاكاديمي، وتدمير لروح التنافس العلمي، واقصاء للكفاءات التي لا تنتمي الى احزاب السلطة. هذه التعيينات لا تفرّق فقط بين الاكاديميين، بل تزرع الشك والانقسام داخل الحرم الجامعي، وتحوّل المؤسسات العلمية الى ادوات طيعة بيد الفصائل والمصالح الضيقة. اننا نرفض هذا النهج بشدة، ونطالب بالغاء التعيينات الولائية في التعليم العالي، واخضاع جميع المناصب الاكاديمية لمعايير شفافة تعتمد على السيرة العلمية والخبرة الادارية والنزاهة الشخصية. فكرامة الدولة لا تصان فقط في سفاراتها، بل تبدا من جامعاتها، ومن احترام عقلها العلمي، ومن حماية استقلالية مؤسساتها التعليمية من عبث المحاصصة والمحسوبية. التعليم العالي ليس ساحة لتقاسم النفوذ، بل هو ركيزة لبناء وطن حرّ، عادل، ومزدهر. واذا اردنا اصلاح العراق، فلنبدا من جامعاته.