أمن الخليج العربي  بين المطامع الأمريكية والغربية والإيرانية   

سامي الزبيدي

1. يكتسب امن الخليج العربي أهمية كبرى في الظروف الراهنة حيث يشتد الصراع الإقليمي والدولي في هذه المنطقة خصوصا بعد حرب ألاثني عشر يوما بين اسرائيل ومن ورائها أمريكا وبين إيران ومع التهديدات المعلنة والمبطنة بقرب نشوب حرب أخرى بين اسرائيل وأمريكا من جهة  وإيران من جهة أخرى واحتمال امتداد الصراع ليشمل دول خليجية أخرى حليفة لأمريكا نحتضن قواعد عسكرية أمريكية

2. الموقع الجغرافي للخليج العربي  

يقع الخليج العربي بين شبه الجزيرة العربية غربا وإيران شرقا والعراق شمالا وبحر العرب جنوبا ويمتد مسافة 1300 كيلو متر من شط العرب شمالا الى رأس سندم في الجنوب ويتراوح اتساعه بين( 47 ) كيلو متر عند مضيق هرمز و(280) كيلومتر وهو أوسع اتساع له وأعمق منطقه فيه تبلغ (100) متر قرب مضيق هرمز وتبلغ مساحة الخليج العربي (239) ألف كيلو متر مربع . 

 3. التسمية أطلق الجغرافيون عدة تسميات على الخليج العربي منذ العصور القديمة فقد سمي بالبحر الارتيري وتعني الأحمر وأطلق عليه سكان العراق القدماء الآشوريين والبابليون اسم البحر الجنوبي والبحر الأسفل وسماه سترايون بالخليج العربي , وكان العرب يطلقون عليه اسم خليج البصرة أو خليج عمان أو خليج البحرين لان هذه المدن كانت منطلقا للسفن التي تبحر فيه ,أما العثمانيون فأطلقوا عليه اسم خليج البصرة , أما تسمية الخليج الفارسي فقد وردت خطا عن طريق اليونانيون ثم قام السريانيون بترجمة جغرافية بطليموس الى العربية فظهرت هذه التسمية في بعض المؤلفات واعتمدها الغربيون في كتاباتهم فأصبحت التسمية إحدى القضايا الحساسة.

4. ولوقوع منطقة الخليج العربي بين قارات العالم القديم مما جعله منذ القدم ممرا للطرق التجارية بين أوربا وشرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا واستمرت هذه الطرق في إنعاش التجارة الدولية , واحتفظت المنطقة بأهميتها الإستراتيجية بعد الحرب العالمية الأولى بعد تطور الطيران وتوسع العلاقات الاقتصادية بين الشرق والغرب حتى أصبحت منطقة الخليج العربي من أهم مناطق شبكات النقل الجوي الحديث , وأضاف النفط بعد اكتشافه في المنطقة أهمية أخرى فمنطقة الخليج العربي تضم  اكبر احتياطي من النفط العالمي وهي التي تمول الدول الصناعية بنسبة كبيرة من حاجتها المتزايدة من النفط مما جعل الدول الاستعمارية تتهافت على المنطقة لنهب ثرواتها النفطية والحفاظ على مصالحها فيها وقد أثارت هذه الأهمية الأطماع الأجنبية في هذه المنطقة الإستراتيجية . 

 5. البريطانيون والخليج العربي  

 كان أول اهتمام بريطاني في منطقة الخليج العربي قد بدا في أوائل القرن السادس عشر حيث الصراع البرتغالي والهولندي والبريطاني قد اشتد فأسس التجار البريطانيون علاقات تجارية مع الهند وعرفوا أهمية الخليج العربي في هذه العلاقات وفي عام 1600 منحت الملكة إليزابيث الأولى ترخيصا لشركة الهند الشرقية لتأسيس مشاريع تجارية في عدن وبقية إمارات الخليج العربي ودول البحر الأحمر لكن توجس العرب من هذه المشاريع بعد معاناتهم من الاستعمار البرتغالي لم تهيئ لهذه المشاريع أسباب النجاح, وفي نهاية القرن  الثامن عشر حيث اتسع النفوذ الروسي والفرنسي تطلع نابليون نحو منطقة الخليج الغربي والبحر الأحمر وعندما شعر البريطانيون بالخطر أرسلوا قوة بحرية تمكنت من احتلال جزيرة بريم عام 1799 واتخذت منها مركزا للوثوب على جنوب الجزيرة العربية, وفي سنة 1835 أرسلت بريطانية قوة بحرية الى لحج في اليمن طمعا في احتلالها إلا ان حملتهم فشلت واستمر البريطانيون في محاولاتهم العديد لاحتلال منطقة الخليج العربي والسيطرة عليه وقد نجحوا في ذلك عام 1839 حيث تمكنوا من احتلال عدن واحتلال شواطئ الخليج العربي الغربية, لقد تميز تاريخ الخليج العربي نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بتزايد التنافس الاوربي وحرصت بريطانيا التي جعلت الخليج العربي تابعا لها على مقاومة مطامع الدول الغربية الأخرى والحفاظ على مصالحها وحماية وضعها المميز فيه ونجحت في ذلك فقد انتهى الصراع البريطاني الروسي بعد توقيع اتفاقية سنة 1907 التي اعتبر بموجبها شمال إيران منطقة نفوذ روسية والقسم الجنوبي من إيران منطقة نفوذ بريطانية كما اظهر البريطانيون حنكة سياسية وبراعة دبلوماسية في ابعاد الفرنسيين والألمان عن منطقة الخليج العربي وهكذا نجحت بريطانيا في توطيد مركزها وتعزيز سيطرتها في الخليج العربي .  

 6. أمريكا والخليج العربي    

 بدا اهتمام أمريكا بمنطقة الخليج العربي منذ القرن التاسع عشر حيث عقدت أمريكا معاهدة صداقة مع عُمان عام 1833 في القصر السلطاني بمسقط بين سلطان عمان والمفوض الأمريكي فيها حصلت بموجبها على حق المرور والإقامة لرعاياها في عمان كما منحتها الحق بإرسال ممثلين تجاريين إليها وهكذا استطاعت أمريكا من التواصل مع عرب الخليج العربي والجزيرة العربية , وبعد الحرب العالمية الثانية تمكن شركات البترول الأمريكية في ظل سياستها الاقتصادية في منطقة الخليج العربي من الحصول على امتيازات خاصة بها أو تشارك شركات أخرى في عمليات استثمار النفط ومع تعاظم النفوذ الأمريكي في العالم وتقلص النفوذ والأوربي أصبحت الاحتكارات الأمريكية تحتل مواقعها بشكل تدريجي وبعد ازدياد أهمية منطقة الخليج العربي العسكرية والاقتصادية تمكنت أمريكا من بسط نفوذها , ان اهتمام أمريكا القوي بمنطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية قد بدا واضحاً منذ عام 1924 وفي عام 1928 بدأت الشركات الأمريكية بالبحث واستكشاف النفط في منطقة الإحساء في المملكة العربية السعودية .

    7.النفوذ الإيراني في الخليج العربي

 من المعروف ان إيران تطل على الساحل الشرفي للخليج العربي لكن هذا الساحل اغلبه كان عربيا حيث إقليم الاحواز العربي بقبائله العربية كعب وتميم الذي يمتد على اغلب مناطق هذا الساحل وما المحمرة  وعبادان وقارون والشيخ شعيب وخور موسى إلا اسما لمناطق عربية والتي تمتد بعضها الى عمق اليابسة لتؤكد ان الخليج العربي عربيا بجانبيه ولكن تعرض الأجزاء الشرقية منه للاحتلال الإيراني قد فرض الواقع الراهن حيث بقي العرب على الأجزاء الشمالية والغربية والجنوبية منه , وكانت إيران قد ادعت بعائدية البحرين لها وهو ادعاء ثبت بطلانه واستمرت إيران بادعاءاتها متجاوزة الأسانيد العربية ولم تنته الادعاءات الإيرانية وينتهي موضوع مطالبتها بالبحرين إلا بعد إجراء الاستفتاء العام الذي جرى بإشراف الأمم المتحدة حيث صوت كل أبناء البحرين الى جانب الاستقلال وانتهت الادعاءات الإيرانية  ومع ذلك واصلت إيران حملتها المحمومة للسيطرة على الخليج العربي ووصلت ذروتها عندما قامت قواتها بغزو الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التابعة للإمارات العربية المتحدة  عام 1971 وأسست فيها قواعد عسكرية للسيطرة على الملاحة في الخليج العربي ولا زالت تحتلها الى أيامنا هذه وتمتنع عن الانسحاب منها .  

8. أمن الخليج  العربي  

 نظرا لتزايد أهمية النفط في الصناعة والاقتصاد  فقد بدأت تراود أمريكا  فكرة احتلال منابع النفط في الخليج العربي وجاء أول تهديد أمريكي في نيسان 1973 خلال محاضرة مدير مكتب الوقود والطاقة في وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك جيمس ايكنز وعندما تولى جيرالد فورد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية تزايدت العبارات الموجهة للدول العربية المنتجة للنفط خصوصا في تصريحات وزير خارجيته هنري كيسنجر وكلل كارتر هذه التهديدات عندما وقع عام 1977 مذكرة بتعليمات سرية تأمر البنتاغون بالاستعداد لاحتلال منابع البترول في الشرق الأوسط ورافقت هذه التهديدات أنباء عن تدريب وحدات أمريكية على القتال في ظروف صحراوية مشابهة لظروف الشرق الأوسط وقد تسهم اسرائيل بواجب تكميلي مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد امتد الدور ألصهيوني بإطلاق التهديدات وشن حرب نفسية مفادها ان أمريكا ستعلن قريبا عن تشكيل قوة للتدخل السريع بدعوى حماية المصالح الأمريكية في العالم وبالذات في منطقة الخليج العربي وان القوة ستتألف من مائة ألف جندي وأنها ستكون في حالة تأهب دائم للتدخل السريع في المنطقة العربية وستساعدها اسرائيل بالأسلحة الثقيلة والمعدات التي تحتاجها .

9. التهديدات الأمريكية  ومشروع قابوس   

 دعا مشروع السلطان قابوس سلطان عمان السابق الى تشكيل قوة عسكرية تشترك فيها أمريكا وألمانيا وبريطانيا لحماية مضيق هرمز والخليج العربي وتم الاتصال بعدد من الدول الخليجية ومنها العراق الذي حذر من هذا المشروع وتحرك بشكل سريع لتوحيد الجهود العربية للوقوف بوجه المخطط الذي يخدم المصالح الأمريكية والغربية ويعطي لأمريكا الحق في التدخل في المنطقة وهي ما تريده وان تغليف هذه الخطة بستار امن الخليج العربي هو لإعطاء الشرعية بان طابع الخطة هو المساعدة في الحفاظ على امن الخليج العربي وليس الاستخدام المباشر للقوة العسكرية وان الخطة المذكورة هي خطة أهل المنطقة أنفسهم  وليس لأي طرف خارجي يدالا فيها وان بإمكانهم طلب المساعدة متى يشاءون . 

 10. ان الحاجة الملحة في الظروف الحالية للمنطقة تتطلب توسيع التحرك العربي الخليجي ليشمل كل دواعي ومستلزمات الحفاظ على امن الخليج العربي من الأطماع الأجنبية ووضع الأساس الموضوعي والاستراتيجي لكل المستلزمات المطلوبة لهذا الأمن ويجب بلورة كل التصورات العربية الخليجية في موقف إستراتيجي واضح يهدف لحماية المصالح العربية الخليجية وحماية منابع النفط وطرق الملاحة في الخليج العربي التي باتت تتعرض للتهديدات خصوصا الإيرانية الرامية لغلق مضيق هرمز كلما اشتد التوتر والصراع الأمريكي الإسرائيلي الإيراني في المنطقة , و تبرز أهمية العمل العربي الخليجي  الجاد في الظروف الحالي  التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي للوقوف بوجه المخططات التي تريد أمريكا فرضها على الوطن العربي وبالذات منطقة الخليج العربي .