مكاشفة
وجيه عباس
ها أنت معروفٌ وحرفُكَ مُنكَرُ
ويمينُكَ الذكرى وَنَسيُكَ أيسرُ
يكفيكَ أسئلةً تُزيد ببخلها
وتجود بالمعنى وأنت مُبذِّرُ
حتى الجوابات استفاقت حينها
فكفاكَ تبذرُ والخطى تتصحَّرُ
كن حيثما وقفت ظلالُكَ أنُّها
وَجَدَتكَ مئذنةً، وصوتُك منبرُ
وتلتكَ بالسورِ القصارِ تميمةً
فإذا الطوالُ مآذنٌ تتجبَّرُ
قفْ حيث توصلُكَ الخطى فعلامةٌ
أنّى اتجهتَ فحبلُ خطوِكَ أقصرُ
الروحُ عاريةٌ تُردُّ وإنما
هذا الذي يغشاك طينٌ أسمرُ
قضت المشيئةُ أن تكون ملامحاً
لكنما الطفلُ الذي ربَّيتَهُ لايكبرُ
دع أبجدياتِ الجهاتِ تسيرُ في
كلِّ الوجودِ وأنتَ فيهِ مُخيَّرُ
كنْ قِبلةً للشعرِ دون بلادِهِ
فلأنَّكَ الوطنُ الذي لايُهجرُ
*****
ماابيضَّ وجهُك والوجوهُ كثيرةٌ
وسوادُها من نورِ وجهك أكبرُ
لكنما فيها ضميرُكَ غارمٌ
ودمٌ سطرتَ على بياضِكَ أحمرُ
وثيابُ عفَّتِك الكفافُ فلم يكنْ
إلا و أنتَ على غناهُ أفقرُ
كن وجهَ موتك في الحياة مُقدَّماً
فغيابُهُ بحضوره يتأخرُ
يكفيك لوغمضتْ عيونُكَ نظرةٌ
أبصرتَ فيها عالَماً لايُبصرُ
وشممتُ تربَكَ في اليقين وحسبه
أن بات يسكن في ثراك العنبرُ
أوَما سمعتَ الماءَ جاءك عارفاً
ورمى السلامَ عليكَ وهو مُعفَّرُ
*****
إختر لروحك قِبلةً فلأنني
أدري بأنك ذِبحُها المُتَحَيِّرُ
اسكن صليبك بالظلال فطالما
نطق الصليبُ وأنت فيه مُكفَّرُ
كن كالنواقيسِ التي صامت مدى
لكنها بدمِ المواجع تُفطرُ
الريح تستفتيك أيَّ تلاوةٍ
وكأنها في موتها تستغفرُ
كنها كما شاءتْ وشئتَ غوايةً
فلأن يومَكَ في قيامك مَحشَرُ
لاتعثرن فللظلالِ قوادمٌ
أَرِها بأنَّكَ في الخطى لاتعثرُ
لست ابن يومك ياغريبَ زمانِهِ
وَغَدٌ قديمٌ في يديك مُؤخَّرُ
ماعشته الماضي يعودُ مُجدَّداً
وكأنما الآتي به يتمظهرُ
زمنٌ عقيمٌ لست تعرفُ كُنهَهُ
وكأنه بِكَ قاصرٌ ومُقصِّرُ
أنا لست من دنيا سواي ثمالةً
فَهُمُ العمى وأنا هناك المُبصِرُ
وتلمَّستْ معنى الخفاءِ أصابعي
وكأنَّ لي فيها عيوناً تُبصِرُ
أنا لستُ مرآةً تُريكَ مظاهرا
وحقيقتي أني بها أتمظهرُ
لي ألفُ وجهٍ بينكم وأضاعني
هذا الفراغُ وظلُّهُ المتبعثرُ
وأنا القليلُ ألمُّ دون شتاته
هذا القليلُ وإنه يتكثّرُ
الارضُ تورقُ في يديك وهامةً
فكأنَّكَ القُبانُ حين تُخبِّرُ
قدماك غرسٌ في الترابِ لأنها
حملتك ميزاناً وأنت تُسعِّرُ
زِنْ لطفَ روحك بين تلك وهذه
سيضج بالأدنى الثقيلُ الأندرُ
وبمن خلا سيضجُّ فيه دخانُهُ
وكأنه يعلو هناك ويصغرُ
*****
وبكفِّكَ اليمنى وجدتُكَ درَّةً
فيها تهشُّ على الحروف وتسطرُ
ومآربٌ أخرى اتكأت ولم تهنْ
ولأنت راعيها بها المتبخترُ
أودعتُ مابين القصائد حجَّتي
وتلوت فيها الشعرَ وهو يُفسِّرُ
متشابهاً وله بطونٌ ثرَّةٌ
وله بحسبك في التلاوة أظهُرُ
غُذّيت بالقرآن ثم محمدٍ
فبأي آلاء المعارف أُنكَرُ؟
*****
اسكنْ وروحك جنةً في عزلةٍ
حتى الغرائبُ في جنانِكَ مهجرُ
يا أيها المنفيّ بين ثيابِهِ
وثيابُهُ كفنٌ هناك ومئزرُ
العريُ أفرد في السبيل بلادَهُ
وكأنه مما بها يتستَّرُ
لاشيءَ غير الظل يوحي أنَّهُ
جسدٌ سوى أن الظلالَ تُؤطِّرُ
هي في الحضور غيابُهُ وكأنَّما
سكن الغيابةَ فَهْوَ فيها يُقبَرُ
ألقوهُ أخوتُهُ بقاعِ حفيرةٍ
ومضوا بها والبئر فيه أبحرُ
كل الوجوه غريبةٌ وأمرُّها
أن الذي تؤويه فيه مُنكِرُ
غرسوا السيوفَ بها وكان دليلُهم
من خطِّ أسطرِها نديمٌ خنجرُ
*****
يابعض ذاكرة الجنوب كأنه
قصبٌ ينوح ودمعةٌ تتحدَّرُ
كان الصليبُ جداره فاثاقلت
فيهِ الخطى وكأنه يتعثَّرُ
وكأنَّه العرجونُ ناء بثقلِهِ
ويكادُ...لولا ثقلُهُ المتعسِّرُ
وتكادُ تتلوهُ المصاحفُ سورةً
وكأنَّهُ بحروفها يتسوَّرُ
البسملاتُ تعيذُهُ لكنَّهُ
مما يحاولُهُ شفيقٌ مُنذِرُ
يا أنت منتصف الظلال تحوطُهُ
وكأنَّهُ مما بهِ يتعطَّرُ
وخطاهُ تستبقان حين تسابقا
قُدَّ القميصُ وَحُلَّ منهُ المئزرُ