الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المثقف العربي والفكر المعاصر ، بين الواقع والطموح


المثقف العربي والفكر المعاصر ، بين الواقع والطموح

رسالة الحسن

 

في زمن تتسارع فيه التحولات الفكرية والتقنية على نحو غير مسبوق، يجد المثقف العربي نفسه أمام مفترقٍ حاسم: بين واقعٍ مليءٍ بالتحديات والاضطرابات، وطموحٍ مشروعٍ لبناء وعيٍ جديدٍ يواكب العصر ويحافظ على هوية الأمة وكرامتها الفكرية.وهنا تقع عليه مسؤولية تأريخية

بين أن يختار بين الانكفاء والصمت أو الفاعلية والمبادرة.

وما تحتاجه الأمة اليوم ليس مزيدًا من الشعارات، بل فكرًا نقديًا أصيلًا يعيد بناء العلاقة بين الإنسان والعقل، بين الحرية والمسؤولية، وبين الماضي والمستقبل.

فالمثقف العربي يعيش اليوم حالة من التمزق بين القيود السياسية والاجتماعية وبين طموحه للحرية والإبداع. وما زالت الثقافة في كثير من الأقطار محصورة في أطرٍ تقليدية تُقيّد الفكر النقدي، وتُهمّش دور المثقف كصوتٍ ناقد ومحرّك للتغيير.كما يعاني المشهد الثقافي من غياب المشروع الفكري العربي الجامع، ومن ضعف في مؤسسات الفكر والبحث، ما يجعل المثقف يعمل غالبًا في فضاءٍ معزولٍ أو فردي.

ومن جهة أخرى يشهد الفكر العالمي ثورة في المفاهيم من الذكاء الاصطناعي إلى ما بعد الحداثة بينما لا يزال المثقف العربي يسعى لإيجاد موطئ قدمٍ داخل هذه الموجة.

إنّ تحدي الانخراط في الفكر المعاصر لا يقتصر على الترجمة أو النقل، بل على القدرة في إعادة إنتاج الأفكار بلغةٍ عربيةٍ نقديةٍ واعية تستجيب للواقع المحلي وتتحاور مع الفكر الإنساني وبالوقت ذاته يبقى طموح المثقف العربي هو أن يكون ضمير الأمة وعقلها المفكّر، وأن يسهم في صناعة وعيٍ جمعيٍّ جديدٍ، يعيد الاعتبار للعقل والحكمة والحرية.

تحقيق هذا الطموح يتطلّب إصلاح البنية الثقافية والتعليمية والإعلامية، وتوفير فضاءٍ ديمقراطيٍّ يُتيح للفكر أن يتنفس بحرية، وللمثقف أن يمارس دوره التنويري من دون خوفٍ أو تهميش.أن السبيل لأنطلاقة المثقف العربي يبدأ من تحرير العقل، وتجديد الخطاب، والانخراط الفعال في الواقع؛ ليصبح الفكر العربي جزءًا من مشروع نهضوي حقيقي لا يُستورد بل يُصنع من الداخل.فانطلاقة المثقف العربي الحقيقية تبدأ من الوعي بدوره ومسؤوليته قبل أي شيء آخر. ولتحقيق هذه الانطلاقة، يمكن تحديد مجموعة من السبل الأساسية:

1.التحرر من التبعية الفكرية والسياسية:

على المثقف العربي أن يتحرر من الولاءات الأيديولوجية أو الحزبية التي تُقيد رؤيته، وأن يملك استقلالية فكرية تُتيح له قول الحقيقة بجرأة، بعيدًا عن الخوف أو المصلحة.

2.إعادة بناء الوعي النقدي:

فكرٌ لا يُمارس النقد هو فكرٌ راكد. يجب أن يُعيد المثقف العربي إحياء ثقافة السؤال، ومساءلة الواقع، لا تبريره، لأن النقد هو بداية كل إصلاح فكري واجتماعي.

3.تجديد الخطاب الثقافي:

يجب أن يواكب المثقف التحولات التكنولوجية والاجتماعية، وأن يُقدّم خطابًا مفهومًا للأجيال الجديدة بلغةٍ معاصرة، دون فقدان العمق والهوية.

الاقتراب من المجتمع لا الانعزال عنه:

المثقف ليس ملاك فوق الناس، بل شاهدٌ في قلبهم. وعليه الانخراط معهم ليشعروا أنه جزء منهم

4.الانفتاح على التجارب الإنسانية الأخرى:

الثقافة ليست حكرًا على جغرافيا أو لغة. انفتاح المثقف العربي على الفكر الإنساني العالمي يمنحه أدوات جديدة لفهم ذاته ومجتمعه، دون أن يفقد أصالته.

المثابرة في إنتاج المعرفة:

5.الانطلاقة لا تكون بالشعارات بل بالمنجزات. كتابة، بحث، حوار، توثيق، نشر… فالثقافة تُبنى بتراكم العمل لا بسطوع اللحظة.

معيقات انطلاقة المثقف العربي:

1. البيئة السياسية المقيدة:

غياب الحريات الفكرية والسياسية في كثير من الدول العربية يجعل المثقف يعيش في بيئة تخاف الكلمة الحرة. فحين تُقيَّد حرية الرأي والنقد، يفقد المثقف دوره كصوتٍ للوعي والضمير العام، ويتحوّل الخطاب الثقافي إلى ترديدٍ لما هو مسموح لا لما هو مطلوب.

2. ضعف المؤسسات الثقافية المستقلة:

المؤسسات الثقافية في العالم العربي غالباً ما تكون تابعة للسلطة أو خاضعة للبيروقراطية، فتغيب عنها الاستقلالية والرؤية. وبدون مؤسسات بحثية وإعلامية مستقلة، لا يستطيع المثقف أن يُنتج فكرًا تراكميًا أو أن يؤثر في السياسات العامة أو الوعي الجمعي.

3. الانقسام الاجتماعي والفكري:

التعدد المذهبي والقبلي والسياسي في العالم العربي تحوّل في كثير من الأحيان إلى صراعٍ فكري محتدم، جعل أي مشروع ثقافي نهضوي يُقرأ بعيون الهوية الضيقة لا بالعقل النقدي. وهكذا، أصبح المثقف مهدَّدًا بالتصنيف والإقصاء كلما حاول تجاوز الانقسامات.

4. الاستلاب الثقافي والإعلامي:

سيطرة ثقافة الاستهلاك والترفيه على الفضاء الإعلامي قلّلت من حضور الفكر والوعي. الإعلام العربي نادرًا ما يفتح نوافذ للنقاش الثقافي الجاد، مما جعل الجمهور يبتعد عن الفكر العميق، وأضعف العلاقة بين المثقف والمجتمع

5. الانكفاء الذاتي للمثقف نفسه:

كثير من المثقفين العرب اختاروا الانعزال أو الانشغال بالكتابة الأكاديمية أو النخبوية، بعيدًا عن قضايا المجتمع اليومية. هذا الانكفاء جعل المثقف يبدو غريبًا عن هموم الناس، وفقد بالتالي قدرته على التأثير في الرأي العام.

6. غياب المشروع الثقافي العربي الجامع:

رغم وجود طاقات فكرية كبيرة في كل بلد عربي، إلا أنه لا يوجد مشروع ثقافي عربي موحّد يُنسّق الجهود ويُوجّهها نحو غايات نهضوية واضحة. وبدون هذا المشروع المشترك، تبقى المبادرات فردية ومتناثرة، لا تصنع تحولاً حقيقيًا في الوعي الجمعي.

 


مشاهدات 61
الكاتب رسالة الحسن
أضيف 2025/10/18 - 12:48 AM
آخر تحديث 2025/10/18 - 3:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 118 الشهر 11648 الكلي 12151503
الوقت الآن
السبت 2025/10/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير