التأليف بين تبني المعرفة وتجميعها
غزوان المؤنس
تعاني البيئات الأكاديمية في المدرسة الشرقية، من أزمة حقيقية في ثقافة التأليف، إذ تحول التأليف لدى عدد غير قليل من المؤلفين إلى سباق كمي، يقاس بعدد الكتب لا بقيمتها المعرفية، فتجد البعض يصدر عدة مؤلفات في سنوات قليلة، وعند مطالعتها تكتشف أنها مجرد تجميع معلومات من مصادر سابقة، دون رؤية تحليلية أو طرح جديد.يتجلى هذا الإشكال بوضوح في مجال الإعلام، حيث تكتظ رفوف المكتبات بمؤلفات تحمل عناوين براقة حول مناهج البحث الإعلامي، أو نظريات الاتصال، أو الفنون الصحفية، لكن كتابها، في كثير من الأحيان، لم يمارسوا العمل الصحفي فعلياً، ولم يكتبوا خبراً صحفياً واحداً، ولم يخضعوا لتجربة تطبيق فرضية بحثية أو اختبار نظرية. وعند التمعن في هذه الكتب، نجدها تكرر حرفياً أو شبه حرفي، ما جاء في كتب الدكتور محمد حميد، والدكتور بركات عبد العزيز، والدكتور حسن مكاوي، وغيرهم من رواد التخصص، دون أن تضيف جديداً. لذا نجد ان ، كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد، مثلاً الذي استغرق تأليفه نحو عشر سنوات من البحث والقراءة والتحليل، ليقدم رؤية نقدية جديدة في دراسات الاستعمار، لم يكن الكتاب تجميعاً لمراجع، بل تأسيساً لخطاب فكري ترك أثراً عالمياً.لهذا، يجب أن نعيد التفكير في مفهوم التأليف، ونتجاوز ثقافة التباهي بعدد المؤلفات إلى ثقافة الإسهام الحقيقي في تطوير المعرفة، فالعبرة ليست في إصدار كتاب، بل في القيمة التي يضيفها للباحثين والمجال العلمي.