نقطة ضوء
(صداقة) خائن الملح والزاد
محمد صاحب سلطان
مرة، قرأت حكمة تقول (لا تتوقع الخير من حاقد، ولا تنتظر إنفراجة من بخيل، ولا تطلب مكرمة من لئيم ولا تصادق الخائن، ولا تسير بأقدام الحاجة نحو بيت الذل).. وأعتقد إن تلك الحكمة لا تحتاج إلى تفسير شاق، فكلماتها واضحة تنبئ عن معنى أكثر وضوحا، فالخير لا يأتي إلا من يد تعاملت مع الخير وخبرته، ففاحت ريحته من شعيرات تعرقها، فهي مثل زجاجة عطر، كلما رجت أعطت رائحة أكثر عبقآ، فمعترك الحياة، تصب به الأحداث مثل مياه جارية وأخرى راكدة، وهكذا هي الأحوال التي يعيشها المرء بحلوها ومرها، بسهولتها وصعوبتها، فمن لا يسعد بما لديه، لن يسعد لو ملك مال قارون أو إكتنز الذهب بقناطير لا تعد ولا تحصى، فالقناعة والرضا لا تتجزأ، فأنظر لما عندك تسعد، ولا تنظر لما عند الغير فتشقى.. حتى أضحى الواحد منا، عندما يسأل عن حاله، يردد لا جديد، لإنه إعتاد على النعم ولم يشعر، فهل إستشعرنا تجدد العافية وبقاء النعم؟ نعم ثمة مشاعر في القلب، لا يواسيها إلا ما يأتي من الله عز وجل (فأني قريب)، أي رحمة ولطف بعدها نرجو، ففيها (شفاء لما في الصدور).. لإن القناعة والرضا إذا حلت في النفوس، تجعل من الروح ملاذ تقوى بصبر أقوى، وتجعل الحياة أجمل وأحلى بسلام داخلي قل نظيره، لا يمتلكه اللئيم ولا خائن الملح والزاد، الذي يعتقد إن إكتناز المال الذي جناه على حساب مأساة الآخرين، تجعله في مأمن من عوارض الزمن، وتحصنه من الحاجة إلى مساعدة الاخرين له، بل يتوهم بأنه سيصبح متحكما بمقادير أمورهم، ورقابهم بيديه، يتلاعب بهم كيفما يشاء؟، متناسيا إن الأرزاق ومقاديرها بيد الخالق لا بيده الملطخة بالآثام والحرام.. ومن هذا الباب تدعونا الحكمة، أن لا نصادق الخائن بمختلف توصيفاته، كون الصداقة رابطة تقوم على المحبة والصدق والإخلاص، وما يجعلها أكثر تأثيرا وأسمى تعلقا، صفة الوفاء فيها، فهي العمود الفقري لكل علاقة ناجحة، وبدونها تتحول إلى مجرد معرفة هامشية طارئة وعابرة لا نقف عندها ولو للحظات، وكذا الوفاء يجعل الصداقة تدوم رغم تقلبات الحياة، كون الصديق الوفي هو الذي يقف مع صديقه في أوقات الشدة قبل الفرح، ويكون سندا قويا ومصدا مانعا وقت الحاجة، فضلا عن كونه ناصحا أمينا عند الخطأ، وحافظا على ما أؤتمن من سر، وقد قيل (الصديق وقت الضيق)، وهذه المقولة تختصر معنى الوفاء في الصداقة، وعند ذلك تتحول الصداقة إلى نعمة، تشعر الإنسان بالأمان وتمنحه القوة في مواجهة الصعاب، فالصديق الوفي لا تفرقه المسافات، ولا يبعده الزمن ولا منعطفاته، ولهذا يجب علينا أن نختار أصدقائنا بعناية، وأن نتمسك بمن يبادلنا الوفاء لا الجفاء، لإن الصداقة تساوي في قيمتها كنزا لا يقدر بثمن.. ومقابل هذا تبقى الخيانة - أبعدنا الله وأياكم من روائحها النتنة -أبشع ما يواجهه الإنسان من صديقه، وأشد الخيانة قسوة هي خيانة الملح والزاد، أي خيانة العشرة والمعروف، ولهذا يقال في المثل الشعبي (إلي يخون خبزك يخونك)، فالصديق الذي لا يحفظ العشرة ولا يصون المعروف، لا يستحق أن تطلق عليه لفظة (صديق)، فهذا أشبه بحية ملساء لدغتها والقبر، لأن الصداقة لا تقوم إلا على الإخلاص والوفاء.
كما إن إدامة المعروف بين الناس، تجعل من الحياة أحلى و أجمل من أجل أن نصنع من خلالها قيمة لإنفسنا، فلا تفرطوا بهذا البهاء الذي يكلل جباه الطيبين الاوفياء، وتأخذكم العزة بالإثم من أجل مال محروق، وضحكات زائفة تمهد الطريق نحو خطيئة لا تمحى، وأعلموا إن المال زائل، ولكن المواقف الشجاعة ثابتة وتذكر على الدوام، فهل يعي البعض ممن إختلت بصيرتهم بلمعان الدنانير أو الريالات أو الليرات أو الدولارات، من تلك التي تبني تلال الخطيئة التي تقود نحو بيت الذل، وتهدم جرف الإنسانية التي نبغي، هذه هي الحقيقة الصادقة، وهذا ما نأمله!!.