موجز في الأمن المجتمعي
فاضل ميراني
نعيش تجاورا و تنازعا بين اكثر من عقد، شريعة الله عقد، القانون عقد، وعقد اجتماعي سلوكي، ديانات بلادنا متعددة، وحرية المعتقد يكشفها السلوك المجرد. السلوك يكشف فهم الفرد و فهم الجماعة لما يحملوه في وجدانهم و يظهر في افعالهم و الكلام.
ليس خفيا و لا هو امر حديث ان صراعا وقع بين اكبر فرقتين من فرق الاسلام، مصادر التاريخ لم تخفهِ، و امتدادته اليوم حاضرة، و ضحاياه مثبتت اسماء اكثرهم في سجلات التوثيق بدوائر رسمية.
قضية غير معصومة
الأمن المجتمعي قضية غير معصومة من العبث بها، لكنه عبث قاتل اهوج ما ان يبدأ حتى يصعب ايقافه.
كل وجوه الأمن المجتمعي النقية مكملة لبعضها و لها مضاد بوجوه بشعه مكملة هي الاخرى لبعضها البعض، ويكفي ان يهاجم الوجهُ البشعُ الوجهَ النقي حتى تنتقل اثار السوء لباقي الوجوه النقية وايضا ليشتغل لتكشر بقية انياب الوجوه البشعة.
تتضاعف الجريمة من كونها جريمة اعتيادية الى جرائم متداخلة اذا ما تم اضفاء صفة مبجلة على ارتكبها، فالقاتل في الجريمة الاعتيادية يشرح للمحقق بعد تسليمه لنفسه او القبض عليه دوافعه للفعل، واعترافه يجب ان يكون صادقا لا يغطي على فاعل آخر، لكنه يكون مجرما اخطر ان برر فعله على تكليف فقهي، او تكليف سياسي، اذ سيكون معنى ذلك - إن صدق الفاعل- ان جهة التجريم و التنفيذ ليست واحدة و لا رسمية، بل ان هناك جهة اخرى ترى في نفسها شرعية مزاحمة الحكم في سن و تنفيذ قوانينها هي.
مفهوم طبعا ان تحدث مثل هذه الامور- وقد حدثت- في واقع تحكم العلاقة بين سلطة جائرة و معارضة شريفة، و الاحكام التي تفعلها المعارضة تخص تأييد افراد او اجهزة او مؤوسسات تنفذ سياسة السلطة الجائرة، لكنها لا تنفذ احكاما مخالفة للضمير الذي يتحرى العدالة، ولا تتدخل في ضوابط سلسلة ادارة العمل، من حيث جهة اصدار القرار و متطلباته، فهي مثلا قد تنتقد التعقيدات الادارية، و تعمل على تسهيلها لكنها لا تلغي قرارات متعلقة بحقوق الافراد فقط لانها قرارات معقدة.
اقول: ان الوجه النقي للغاية من التعليم، هو تمكين الانسان من دخول مراحل النور في فهم الحرف و الكلمة رسما و نطقا، و اما الوجه البشع المقابل فهو النقيض لفلسفة العلم و التعلم، و خيانة للامانة، فأذا ما داخل العلم و التعلم جراثيم من قبيل الضغط و الاستغلال و الظلم و الحرمان، وقع من المعلم على تلميذه او وقع على الاثنين من جهة اعلى، خوت و صارت العملية جوفاء.
كذلك الحال في باقي الحقوق و الامانات.
ان استقواء فرد على فرد او جماعة على جماعة، و سحب خزين الماضي وتجييره لا للعدالة بل لثأر من اجل مكاسب فذلك جرم بحق الامن المجتمعي. الجرم بحق الامن داخل المجتمع و ان ظهر لفاعله انه محدود، مثل اغتيال فرد او اتهامه بكيد، او اقصاؤه بعمد من نوايا تستغل القوة او القانون او كليهما، إلا انه في الواقع جرم ستمتد تأثيراته و تنتشر.
علينا ان نفهم مجتمعنا و توزيعاته و تنوعاته، علينا ان اردنا ان نكون نعم الخلف في الحكم لأسواء سلف حاكم ان نتحرى الحفاظ على الوجوه النقية التي هي امانة، وان نزيح الوجوه البشعة التي عبثت و اجرمت و تريد ان تبقى.
علينا ان نحفظ المكونات الدينية و الطائفية وان نرفض سرقتها.
موجز في الأمن المجتمعي
ويشجع استقرار الحكم الذي يحمل داخل مؤوسساته برامج انمائية واقعية قابلة للتنفيذ المواكب، يشجع المكونات الاجتماعية و ما فيها من بروزات لجوءِ احنماءِ لقوى غير السلطة العادلة، على الوعي و الرجوع للاحتكام لجهة واحدة.
ثمة قاعدة مختصرة عن حدود الحريات تقول: حدود حريتك تنتهي عند حدود حريات الاخر.
ان معايير عافية المجتمع و السلطة، عافية الدولة بالادق، هي الولاء، فأن تنوعت الولاءات اصبحت غير بعيدة عن الصراع الالغائي، فأعلم ان الدولة مبتلاة بمرض بنيوي، مرض قديم، ومثل هذا المرض لا يحتمل مزيدا من التخاصم و الضغوط على الهيكل الاجتماعي.
تاريخيا كان الانسان قد نظّم مع الجماعة بدايات عقود الحقوق و الواجبات، و بعيد عن نقد نواقص و بدائية مفاهيم ذلك الانسان و تلك الجماعة، الا ان الفكرة شهدت تعديلات كبرى و مهمة استمدت منها العقود الدستورية فكرة التدوين و التقنين و التنفيذ، وعين الامر كان في سبب نزول الشرائع السماوية و التي اسست بصيغها مبادىء التنظيم الحياتي و جزاءات الثواب و العقاب الاخروي.
ان امن الجماعة( المجتمع) يقوم على ابعاد ممارسات الظلم و الاضطهاد و الاقصاء، ويقدم الفهم و الاستيعاب قبل سن العقوبات، ويُكرَّهُ العنصرية و العصبية و الاستهزاء و السلب و شهادة الزور و الكذب و الاستغفال.
وكلا التشريعات و القوانين الموفقة، اسسا لفكر منع السلطة من ان تتحول لدولة( بمعنى التداول) مستأثرة بحق الاخرين فتصبح مطمعا للغاوين الذين يريدونها لهم دون حق و يحولون دون محاولات تعديل مسارها.
ان الذين لا يتقيدون بموانع الضمير و تحري العدالة، انما هم يجرمون بحق المجتمع و موارده كلها، من ارض و سماء و ما بينهما و ما تحت الثرى، فيخلقوا من ذواتهم طبقة ملحقة بها طبقات، تدفع الاخرين لخيارت الرضوخ او المعارضة او الهرب.
ان فهما مشوها مثل هذا قاصرا عن رؤية الحق و تسليم الحقوق، منّان على المجتمع بما هو للمجتمع من موارد، متبع لهواه متخادم مع الممكنين له و المُمَكن لهم يكون قد اقترف جرائم الحنث باليمين، و جار على حقوق الاخرين، وغطى نفسه بدعاية مكذوبة، فتسبب بتركيز عدم الثقة به شخصا و النظام عامة، فكيف الامر ان كان تاريخ الثقة بين الجمهور و النظام قد عاش ازمات ثقة.
ان المتسلطين او الساعين للتسلط بقسوة ام بنعومة زحف( الذين قل شاكرهم و زاد شاكيهم) من اغلبية المجتمع الذي توارث المعاناة من اشكال حكم تنوعت بين العسكري و الحزبي الاوحد، سيكون هو بنفسه مثالا اخر من امثلة حكم تستهدف انماء مصالح فردية بخديعة تجنت على تاريخ الصراع العقائدي القديم، فأدعت الانتماء لأخياره و فعلت هي الان افعال اشرار خصوم الامس.
ان الدم و العرض و النفس و العقل، والمال، امانات اما ان يتقيد اولا بها الحاكم فيصونها لمن هم في ذمته او فلا عتب له ان خالف فخالف الاخرون.
كما ان الشريعة و اصحاب السبق من رجالها و نسائها لهم انقى و ابعد من ان يتجنى عليهم من يتحجج بهم لغايات ضربت بها سيوفهم قبلا رقاب من افترى على الناس فعاث في الارض فسادا.
بسم الله الرحمن الرحيم:
و يَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
صدق الله العظيم.
□ مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.