الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأكتشافات المتأخرة في البدء أستهدفوا غيري

بواسطة azzaman

في البدء أستهدفوا غيري

ضرغام الدباغ

 

هناك من يقول أن الاكتشاف متأخراً، أفضل من لا تكتشف الحقيقة أبداً. صحيح أنك ستقدم خسائر كان يمكن لك أن تتجنبها،  ولكن أن تخسر جزئياً أفضل من أن تخسر كل شيئ، ثم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، والتراجع عنه يضيف لك ولا ينقصك.

القس الألماني مارتن نيمولر

كان مارتن نيمولر (1892-1984) قسًا لوثريًا بارزًا في ألمانيا. في العشرينات وأوائل ثلاثينات القرن الماضي، تعاطف نيمولر مع العديد من الأفكار النازية وأيَّد الحركات السياسية اليمينية المتطرفة، ولكن بعد أن وصل أدولف هتلر للسلطة في عام 1933، أصبح نيمولر ناقدًا صريحًا لتدخلات هتلر في الكنيسة البروتستانتية، وقضى آخر ثمانية سنوات من الحكم النازي، بدايةً من عام 1937 وحتى عام 1945 في السجون النازية ومعسكرات الاعتقال. ربما يكون أفضل ما يتذكره العالم عن نيمولر هو بيانه الذي أدلى به في فترة ما بعد الحرب، "في أول الأمر أتوا للاشتراكيين، ولم أتحدث..." وهي مقولة اشتهرت على نطاق واسع، وحتى يعتبرها البعض  في بعض الأحيان على أنها "قصيدة".

(الصورة مارتين نيمولر، قس بروتستانتي كان معارضًا للنظام النازي).

القس مارتن نيمولر

وُلد مارتن نيمولر في الإمبراطورية الألمانية في 14 من يناير 1892، وبدأ مسيرته المهنية ضابطًا في قوات الإمبراطورية الألمانية البحرية في الحادية والعشرين من عمره، أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، عمل نيمولر ظابطًا على إحدى الغواصات الألمانية، وحصل على وسام الشرف، الصليب الحديدي من الدرجة الأولى عام 1917، لدوره في إغراق سفن الحلفاء.  

كان نيمولر قوميًا متحمّسًا ومعاديًا للشيوعية، وانهار عندما هُزِمَت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وانهارت الإمبراطورية الألمانية، كما عارض بشدة الحكومة الألمانية التي تأسست بعد الحرب وسُميت بجمهورية فايمار (1918-1933)، لذا، فقد استقال نيمولر من القوات البحرية في عام 1919، بسبب عدم رغبته في خدمة الحكومة الجديدة.

 في عام 1920، بدأ نيمولر التدريب على اللاهوت في جامعة مونستر، ونُصب كاهنًا لوثريًا في عام 1924، وخلال العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي، شارك في الأحزاب والمؤسسات السياسية اليمينية والمعادية للسامية.

بعد الحرب العالمية الثانية، تحدث نيمولر علانية عن تواطئه الشخصي مع النازية وكيف غير فكره في نهاية المطاف، فمازالت كلماته القوية عن شعوره بالذنب والمسؤولية يتردد صداها إلى يومنا هذا. مقولة نيمولر في متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة

 رحب نيمولر بحماس بالرايخ الثالث في عام 1933، لأنه كان يتماشى مع وجهة نظره اليمينية والمعادية للسامية، فقد صوَّت للحزب النازي في شهر مارس من ذلك العام.

 إلا أنه سرعان ما تلاشى حماس نيمولر للحكومة الجديدة بقيادة أدولف هتلر عندما بدأ النظام النازي في التدخل في سياسة الكنيسة، ففي عام 1933، ركز هتلر جهوده لدعم حركة المسيحيين الألمان (دويتشه كريستين)، وهي فصيل متطرف داخل الكنائس البروتستانتية كان يرغب بدمج النازية مع المسيحية، فصور يسوع على أنه من العرق الآري بدلًا من اليهودي. سعى المسيحيون الألمان أيضًا لتعديل الإنجيل وتجاهل أجزاء منه، وكان هدفهم هو إزالة ما اعتبروه "العناصر اليهودية" من الديانة المسيحية، وتضمن ذلك إزالة القساوسة ذوي الأصل اليهودي من الخدمة في الكنيسة البروتستانتية، فتزعم نيمولر حركة المعارضة لفصيل المسيحيين الألمان وللسياسة التي أراد هتلر أن يفرضها على الكنيسة.

ازداد تحول موقف نيمولر عن النظام النازي في شهر يناير من عام 1934 بعد اجتماعه مع أدولف هتلر، فقد اجتمع نيمولر وقادة الكنيسة البروتستانتية البارزين الآخرين مع هتلر لمناقشة العلاقة بين الكنيسة والدولة، وفي هذا الاجتماع، اتضح لنيمولر أن الجيستابو (البوليس السري الألماني) كان يتنصت على هاتفه وأن رابطة طوارئ القساوسة (Pfarrernotbund‏)، التي ساهم نيمولر في تأسيسها في عام 1933، كانت تحت المراقبة المشددة من الحكومة، فأوضحت عدائية هتلر لنيمولر أنه لا يمكن إجراء صلح بين الكنيسة البروتستانتية والدولة النازية إلا إذا كان البروتستانت يرغبون في التنازل عما يؤمنون به، وهو ما لم يرغب به نيمولر.

 نتيجة لذلك، أصبح نيمولر ناقدًا صريحًا للسياسة التي أراد هتلر أن يفرضها على الكنيسة، وفي الأول من يوليو من عام 1937، ألقى الجيستابو القبض على نيمولر واعتقلوه باعتباره أحد السجناء السياسيين للسنوات الثمانية التالية، وأجرى عددٌ من القادة الدينيون مكالمات دولية مع هتلر لإطلاق صراحه، إلا أن نيمولر لم يحصل على حريته إلا في شهر مايو من عام 1945 عندما ألحق الحلفاء الهزيمة بألمانيا النازية

 

في البدأ أستهدفوا غيري

في أول الأمر أتوا للاشتراكيين وأضطهدوهم، ولم أتحدث—لأني لم أكن اشتراكيًا.

ثم بعد ذلك أتوا لأعضاء النقابات العمالية وأضطهدوهم، ولم أتحدث—لأنني لم أكن عضوًا في النقابات العمالية.

ثم بعد ذلك أتوا لليهود وأضطهدوهم، ولم أتحدث—لأني لم أكن يهوديًا.

ثم بعد ذلك أحين توا من أجلي وأضطهدوني —لم يبق هنك أحد ليتحدث  ويدافع عني.

 

الوقائع الاختصاصية

ما زالت مقولة "في أول الأمر أتوا..." تُستخدم حتى الآن في الثقافات الشعبية والخطابات العامة، وغالبًا ما تُقتبس لتعكس القضايا والمناقشات الاجتماعية الجارية حول العالم.

توجد العديد من الصيغ للمقولة لأنها أُخذت من خطب مارتن نيمولر العامة التي كان يرتجلها.

تعبر مقولة نيمولر عن إيمانه بأن الألمان كانوا متواطئين مع النازيين من خلال سكوتهم عن الاعتقالات التي كان يقوم بها النازيون واضطهادهم وقتلهم لملايين من البشر، وكان يشعر بأن هذا ينطبق  بشكل خاص على قادة الكنائس البروتستانتية، التي كانت تقوم على التقاليد اللوثرية والإصلاحية والمتحدة.

 

أصبحت مقولة "في أول الأمر أتوا..." ضمن معروضات المعرض الدائم في متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة (USHMM) منذ أن افتُتح في عام 1993. في البداية، كانت كلمات نيمولر معروضة في لوحة نصية داخل المعرض الرئيسي، أما الآن، فهي معروضة في مكان مميز في نهاية معرض المتحف الدائم، فهي الكلمات الأخيرة التي يقرأها زوار المتحف وتُشكل إدانة للسلبية واللامبالاة خلال فترة الهولوكوست.

العبرة في هذا السياق، التأكيد أن الصمت هو مشاركة للجريمة، أن سكوتك يعبر عن فبولك، وحين تكون الموقعة عبارة عن مجزرة يديرها الجناة في البدء مرافقة مع الصخب، ولكن الجناة بمرور السنوات يجيدون أمتهان الجريمة ويعتقدون أنهم لا يتركون آثارا تدل على الجريمة، ولكن لا أحد مسلح حتى الاسنان سواهم في هذا البلد المنكوب، والاكتشاف المتأخر أعتراف، وبعض الاعتراف فضيلة، ومحاولة لتصحيح ما سجله التاريخ ... وجملة مكتوبة بالأحمر " أنتم كنتم عونا للمجرمين ".

 

سيأتي يوم .. قريباً أم بعيداً توضع فيه المكاييل الحقيقية، وكل سيأخذ نصيبه.


مشاهدات 69
الكاتب ضرغام الدباغ
أضيف 2025/10/19 - 3:06 PM
آخر تحديث 2025/10/20 - 1:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 66 الشهر 13079 الكلي 12152934
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير