العراق بين تحديات الداخل وتقلبات الإقليم نحو عقد وطني جامع

محمد عبد الكريم النجم

يواجه العراق اليوم منعطفًا دقيقًا يفرض عليه إعادة صياغة مشروعه الوطني في ضوء التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة.

فأسعار النفط تتذبذب بشكل حاد، وأزمة المياه تتفاقم بفعل سياسات دول المنبع، بينما يحتدم الصراع العربي–الإسرائيلي وسط حراك دبلوماسي واسع شهدته قمة شرم الشيخ الأخيرة بمشاركة عربية ودولية كبيرة.

كل ذلك يستدعي موقفًا عراقيًا موحّدًا، يُعيد للدولة مكانتها وهيبتها، ويستثمر التنوع المجتمعي في بناء عقد وطني تكاملي يربط بين بغداد وأربيل والبصرة والنجف والموصل في نسيجٍ واحد.

النفط والمياه… تحديات السيادة

تعتمد الموازنة العراقية بنسبة تفوق 90٪ على إيرادات النفط، ما يجعل الاقتصاد رهينًا لتقلبات الأسواق العالمية.

وفي المقابل، تتصاعد أزمة المياه نتيجة السدود في تركيا وإيران، ما قلّص المساحات الزراعية وأثّر في الأمن الغذائي.

هذه التحديات تُحتّم على العراق أن يضع استراتيجية وطنية للاقتصاد المستدام وإدارة المياه، ترتكز على الدستور والتكامل بين المحافظات والإقليم.

المرجعية الدينية والدولة الحضارية

في خضمّ هذه الأزمات، بقيت المرجعية العليا في النجف الأشرف، ممثلة بسماحة السيد علي السيستاني (دام ظله)، البوصلة الأخلاقية والسياسية التي دعت باستمرار إلـــــى ضبط السلاح واحترام مؤسسات الدولة، وإلى حصر القــــوة بيد الدولـة فقط.

هذه الرؤية ليست دعوة دينية فحسب، بل أساس لبناء دولة حضارية حديثة قوية تحترم القانون وتستوعب التعدد في إطار الوحدة.

العراق ودوره الإقليمي

بعد اجتماع شرم الشيخ وعودة الصراع العربي–الإسرائيلي إلى الواجهة، يبرز دور العراق كقوة توازن قادرة على بناء جسور الحوار لا خنادق المواجهة.

فالعراق الذي يمتلك عمقًا تاريخيًا وروحيًا وجغرافيًا مؤهل لأن يكون صوت الاعتدال والحكمة في المنطقة، شرط أن يترجم مشروعه الوطني إلى سياسة خارجية متوازنة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

العراق اليوم أمام خيارين: إما أن يُبنى بوحدةٍ مسؤولة تليق بتاريخه، أو يظل أسير أزماتٍ متكررة.

والاختيار بينهما هو امتحان الوعي الوطني لكل العراقيين.

□ مهندس وسياسي عراقي، شارك لأكثر من أربعة عقود في العمل الوطني والفكري، وأسهم في تأسيس التيارات الإسلامية والليبرالية منذ زمن المعارضة حتى اليوم.

يدعو إلى مشروع وطني تكاملي يربط بين مكوّنات الشعب العراقي، ويؤمن بدولة حضارية حديثة تحكمها المواطنة والدستور.