الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوعي الثقافي في المجتمعات العربية.. الواقع والتحديات


الوعي الثقافي في المجتمعات العربية.. الواقع والتحديات

عصام البرّام

 

 

لا يمكن الحديث عن نهضة شاملة في أي مجتمع دون التطرق الى عنصر الوعي الثقافي،الذي يشكل  العمود الفقري في بناء الإنسان الواعي والمجتمع المتماسك. وإذا ما نظرنا الى المجتمعات العربية، نجد ان موضوع الوعي الثقافي يُحظى بأهتمام متفاوت، يتأرجح بين محاولات جادة لتعزيزه، وبين تحديات تقف في طريقه وتعيق تطوره. في هذا المقال، سنسعى لتسليط الضوء على مفهوم الوعي الثقافي، أهميته، وضعه الراهن في العالم العربي، ثم أبرز التحديات التي تواجهه، وأخيراً، كيف يمكننا النهوض به لبناء مستقبل أكثر إشراقاً.

ما هو الوعي الثقافي؟

الوعي الثقافي لا يقتصر على المعرفة بالآداب والفنون أو الاطلاع على التراث والموروث الشعبي فحسب، بل هو إدراك الإنسان لهويته الحضارية، وتفهمه لمجتمعه وللآخر المختلف عنه، وآستيعابه لأهمية القيم، والسلوكيات والمعارف التي تشكل نسيج ثقافته الخاصة. إنه بآختصار الإطار العقلي الذي من خلاله يفهم الفرد العالم من حوله ويتفاهم معه.

إن الوعي الثقافي يمنح الإنسان القدرة على التحليل والنقد والتمييز بين ما هو مفيد وما هو ضار، وما هو أصيل ووما هو دخيل. كما يسهم في تعزيز الإنتماء، وترسيخ القيم الإيجابية، ومقاومة الغزو الثقافي، والإنفتاح الواعي على ثقافات العالم.

أهمية الوعي الثقافي في المجتمعات العربية

تمثل الثقافة في العالم العربي جزءاً أساسياً من الهوية الحضارية، وهي مزيج غني من التأريخ، والدين واللغة والفنون والهادات والتقاليد. غير أن هذا الغنى لا يكفي وحده لضمان الاستمرارية والتطور، ما لم يُرافقه وعي ثقافي متجدد قادر على حماية هذه الهوية من التآكل والإنصهار في ثقافات أخرى.

إذ تكمن أهمية الوعي الثقافي في أنه يحمي المجتمعات من الوقوع في فخ الإستلاب أو الإنغلاق. فهو يتيح لها أن تكون جزءاً من الحضارات العالمية، دون ان تفقد هويتها أو تذوب في ثقافات الآخرين. وفي ظل عولمة جارفة، وسيل معلومات لا يتوقف، بات من الضروري تعزيز هذا الوعي لدى الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

الوعي الثقافي والواقع الراهن

رغم وجود مبادرات ثقافية مهمة في بعض الدول العربية، من مهرجانات أدبية وفنية، ومراكز أبحاث، ومكتبات وطنية، ومنصات تعليمية، إلا أن الواقع العام للوعي الثقافي في المجتمعات العربية لا يزال يعاني من عدة مظاهر للقصور.

إن أول هذه المظاهر هو تراجع القراءة خاصة بين فئة الشباب، في مقابل الإقبال الكبير على المحتوى السطحي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وثانيها، ضعف المناهج التعليمية في بناء عقل نقدي وذوق ثقافي لدى الطلاب. أما ثالثها، فهو نقص الدعم المادي والمعنوي للفاعلين والقائمين على المجال الثقافي، من كتّاب وفنانين ومؤسسات أدبية وإعلامية وتعليمية، فضلا على

غياب مسؤولية الدولة في البحث والإشراف والمتابعة على مؤسساتها التي تعمل تحت غطائها.

إضافة الى ما تقدم، تعاني بعض المجتمعات العربية من سيطرة خطاب ديني أو سياسي متشدد يحصر الثقافة في قوالب ضيقة، ويمنع الإنفتاح على الآخر. هذا كله يؤدي الى آنتشار مظاهر من الإنغلاق والتعصب والرفض لكل ما هو جديد أو مختلف.

تحديات الوعي الثقافي في العالم العربي

إن من أبرز التحديات التي تواجه تنمية الوعي الثقافي في المجتمعات العربية ما يلي:

1/ التعليم التقليدي، الذي يعتمد على التلقين والحفظ أكثر من التفكير والنقد، ويغفل مواد الثقافة والفنون لصالح المواد التقنية فقط. 2/ ضعف الإعلام الثقافي، حيث تهيمن على الإعلام العربي القضايا السياسية والترفيهية، بينما تغيب البرامج الثقافية الجادة عن الشاشات والموجات. 3/ هيمنة الثقافة الاستهلاكية، التي تُروج لمنتجات فكرية وسلوكية مستوردة دون مراعاة للقيم المحلية، ما يؤدي الى نوع من التشوسش الثقافي. 4/ الفجوة بين الأجيال، حيث يشعر الكثير من الشباب بأن الثقافة التقليدية لا تعبر عنهم، بينما ينظركبار السن الى الثقافة الحديثة بشيء من الريبة،  ما يخلق آنقساماً ثقافياً داخلياً. 5/ غياب السياسات الثقافية المستدامة، فمعظم الدول العربية لا تملك استراتيجيات طويلة الأمد لبناء مجتمع مثقف، بل تكتفي بمبادرات فردية أو في المناسبات.

نحو مستقبل أكثر وعياً وثقافة

إن تنمية الوعي الثقافي في المجتمعات العربية ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية. وهذا يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومات، والمؤسسات التربوية والإعلام والمجتمع المدني. وفيما يلي بعض الخطوات المقترحة: 1/ إصلاح التعليم، بجعل الثقافة والفنون جزءاً أصيلاً من المنهج الدراسي، مع التركيز على تنمية مهارات النقد والتفكير الحر. 2/ دعم المشاريع الثقافية، من خلال تمويل الفنون والكتب والمكتبات وتحفيز الإنتاج الإبداعي المحلي. 3/ الإرتقاء بالإعلام الثقافي، عبر إطلاق منصات متخصصة في الثقافة، تُقدم محتوى جذاباً وهادفاً، يخاطب مختلف فئات المجتمع. 4/ تشجيع الحوار الثقافي، منه الحوار الداخلي بين مكونات المجتمع الواحد، ومنه الحوار الخارجي مع الثقافات الأخرى لبناء ثقافة التسامح والانفتاح. 5/ الإستفادة من التكنولوجيا، وذلك من خلال توظيف الادوات الرقمية لنشر الثقافة بشكل واسع وسهل الوصول الوصول، خاصة بين فئة الشباب.

من هنا ندرك، إن الوعي الثقافي هو خط الدفاع الاول عن الهوية، وهو الضمانة الحقيقية لأي مشروع تنموي أو حضاري. وإذا كانت المجتمعات العربية تطمح الى لعب دور فاعل في هذا العالم المتغير، فأن عليها أن تبدأ من بناء الإنسان الواعي، المدرك لتأريخه والمتصل بحاضره والمتطلع الى مستقبل أفضل.

فالرهان اليوم ليس فقط على ما نملكه من تراث وثقافة، بل على قدرتنا على تحويل هذا التراث الى قوة فكرية قادرة على المنافسة والإبداع. وإذا ما أردنا لمجتمعاتنا أن تواكب العصر دون أن تفقد ذاتها، فإن الوعي الثقافي هو المفتاح.


مشاهدات 41
الكاتب عصام البرّام
أضيف 2025/10/19 - 3:04 PM
آخر تحديث 2025/10/20 - 1:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 61 الشهر 13074 الكلي 12152929
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير