الحملات الانتخابية ... وانتهاك النظام العام
احمد طلال عبد الحميد البدري
معظم القوانين الانتخابية سمحت للمرشحين بتنظيم الحملات والدعاية الانتخابية وهي عبارة عن سلسلة من الانشطة والفعاليات المرئية والمسموعة والمقروءة في مختلف وسائل الاعلام بهدف تعريف الناخبين بهذا المرشح وكسب تعاطفهم السياسي املاً في التصويت له عند اجراء الانتخابات التشريعية ، حيث نصت المادة (24) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (4) لسنة 2023 على اعتبار الدعاية الانتخابية الحرة حق مكفول لكل مرشح بموجب هذا القانون، وهي تبدأ اعتباراً من التاريخ الذي تحدده المفوضيه العليا المستقلة للانتخابات وتنتهي قبل (24) ساعة من موعد اجراء الانتخابات ، كما اعفى القانون المذكور الدعاية الانتخابية من الرسوم ، وقد تضمن القانون المذكور مجموعه من المحضورات يمتنع عن المرشح القيام بها كاستغلال الابنية الحكومية ودوائر الدولة ودور العبادة للاغراض الانتخابية واستخدام شعار الدولة الرسمي في الاعلانات والنشرات الانتخابية وفي الكتابات والرسوم التي تستخدم في الحملة الانتخابية وغير ذلك ، كما حددت المادة (26) من القانون اليه تحديد الاماكن التي يمنع فيها ممارسة الدعاية الانتخابية والصاق الاعلانات الانتخابية طوال المدة السابقة على اليوم المحدد للاقتراع ، كما منعت نشر اي اعلان او برنامج او صور للمرشحين في مراكز الاقتراع ، وقد كررنظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025 ذات المحظورات ايضاً ، الا ان القانون والنظام المذكورين انفاً اغفل تحديد ماهية هذه الوسائل التي تلجأ اليها الكتل والاحزات المشاركة بالسباق الانتخابي لترويج حملاتها الانتخابيه اعلامياً واكتفى النظام بالاشارة الى مفردة ( مجموعة من الوسائل والانشطة المشروعة) ، حيث عرفت المادة (1/سادساً) من نظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025 الحملة الانتخابية بانها ( مجموعه من الوسائل والانشطه المشروعة المستخدمة من قبل المرشحين والاحزاب والتحالفات السياسية لكسب ثقه الناخبين لغرض التصويت لهم ) ، ووفقاً لهذا التعريف فان النشاط او الوسيلة المشروعة هي كل وسيلة لاتخالف القانون ، واذا كانت هنالك وسائل اباحها القانون بذاتها الا ان استخدامها في الاماكن والطرق العامة ممكن تشكل مخالفة للنظام العام وتخل بالامن بالسكينه العامة التي يعد الحفاظ عليها من ابرز مهام سلطات الضبط الاداري ، ومن الامثلة الصارخة على انتهاك القانون والنظام العام والسكينه العامة ، قيام بعض المرشحين والاحزاب باستخدام شاحنات كبيرة مثبت عليها شاشات الكترونية ضخمة تجوب الشوارع العامة مستخدمة الاغاني والاصوات المرتفعة كدعايات مما تشكل مضايقة للشارع العام وازعاج للجمهور بسبب الضوضاء ، وهنا يمكن ان نسجل على هذه الوسيلة الملاحظات الاتية :
1. ان استخدام هذه الوسيلة يشكل انتهاك صارخ للنظام العام ، والذي يعني كهدف اساسي للضبط الاداري الحالة الواقعية المضادة للفوضى ، ويشكل النظام المعنوي الذي يتعلق بالمعتقدات والاحاسيس ، وقواعد النظام العام امرة لايجوز مخالفتها كونها تتعلق بالمثل العليا والاعراف والتقاليد السائدة في مجتمع ما ، وهنا يتوجب على سلطات الضبط الاداري الانتخابي التدخل لمنع اي يمظهر من شانه المساس بالنظام العام فالفوضى والضوضاء الذي تصدره هذه الشاشات المحمولة على شاحنات كبيرة من شأنه ان يخلل النظام العام .
2. ان استخدام هذه الوسيلة من يشكل انتهاك خطير لعنصر السكينة العامة والذي يقصد به التزام جهات الضبط الاداري بالمحافظة على الهدوء والسكون ومنع مظاهر الازعاج والمضايقات في الطرق والاماكن العامة ، ومنع مصادر الضوضاء كمكبرات الصوت وابواق السيارات ، حيث تستخدم هذه الوسيله الصوت العالي والانوار القوية مما تسبب ضوضاء في الطرق العامة وبعض المنتزهات التي تتواجد فيها ، فضلا عن الاخلال بنظام السير في الطريق العام ومضايقه السيارات .
3. ان هذه الوسيلة هي غير مشروعه اصلاً كونها تخالف القانون ، حيث نصت المادة (488/ثانياً) من قانون العقوبات العام رقم 111 لسنة 1969 المعدل على معاقبة من دعا في الطريق العام لترويج بضاعته بالفاظ واصوات مزعجة ، فضلا عن كون هذا الفعل يشكل مخالفه لقانون المرور رقم (8) لسنة 2019 ، اذ ان المادة (25/ ثالثاً/ ز/ح) منه نصت على معاقبة المخالف بعقوبة الغرامة لكل من استعمل الضوء العالي والاضوية المبهرة ليلاً بما يؤثر سلباً على مستخدمي الطريق ، حيث تصدر الشاشات الالكترونية المحمولة على هذه الشاحنات اضواء عالية ومبهرة تؤثر على رؤية مستخدمي الطريق ليلاً ، كما عاقبت المادة المذكورة حالات استعمال جهاز التنبيه الهوائي او المتعدد النغمات او المشابه لاصوات الحيوانات او وضع مكبرات الصوت او الصافرات التي تزعج مستخدمي الطريق ، حيث تستخدم هذه الشاحنات مكبرات صوت ضخمة تصدر اصوات واغاني عالية مزعجة في الطريق العام ، كما عاقبت المواد (11و12) من قانون الطرق العامة رقم (35) لسنة 2002 كل من تسبب في اعاقة المرور في الطرق العامة ، حيث تظهر هذه الشحانات الكبيرة في غير الاوقات المسموح للشاحنات المحورية في دخول الطرق العامة الداخلية فتسبب عرقلة السير والازدحام فضلا عن استخدام المنبهات الهوائية العالية مما تسبب الازعاج والضوضاء .
4. ان استخدام هذه الوسيلة يشكل مخالفه للقانون وانتهاك للنظام العام وتحديداً عنصر والسكينة العامة وبالتالي ندعو سلطات الضبط الاداري الانتخابي ممثلة بلجنة الرصد المركزية ولجان الرصد الفرعية المنصوص عليهم في المادة (24) من نظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025 رصد هذه المخالفه ومنعها ، وهذا الالزام لايقع على لجان الرصد فقط وانما على سلطات الامن المعنية بحماية النظام والامن العام كشرطة المرور ايضاً...
5. كما ندعو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالتدخل التشريعي وتعديل نظام الحملات الانتخابية ومنع هذه الوسيلة كونها غير مشروعة وتخل بالنظام العام ... ومن الله التوفيق.