عن الصفة الوظيفية والصفة الشخصية

محمد الكرخي

يصعب على البعض أن يفرق بين صفته الشخصية بما هو إنسان يمخر الحياة ويقضي حاجاته الخاصة بهدوء وانتظام، وبين صفته الوظيفية-المهنية التي يشغلها في بِنية المجتمع الذي يعيش فيه أو ينتمي إليه.

الواحد من هؤلاء البعض، يُعَرِف أو يُقدم نفسه في الأماكن العامة وللآخرين في غير واجبه الوظيفي-المهني، بصفته الوظيفية-المهنية، لا بصفته الشخصية. فهو إن كان طبيباً أو محامياً أو وجيهاً أو ضابطاً إلخ من صفات غير شخصية؛ لا يقدم نفسه باسمه أو كنيته إن كان متزوجاً وله أطفال، وإنما لا بد أن يُسبق اسمه الشخصي بصفته الوظيفية-المهنية.

لا يعي هؤلاء، أن صفاتهم غير الشخصية لا تؤثر في طبيعة علاقاتهم العامة خارج المؤسسات التي ينتمون إليها، كما أن الصفة غير الشخصية لا تغير من قيمة الشخص في نظر الآخرين إن لم يكن لهؤلاء الأخيرين مصلحة شخصية في محل عمل صاحب الصفة غير الشخصية، أي أن الناس يجاملون صاحب الصفة الوظيفية-المهنية مجاملة على أمل احتياجه في يوم من الأيام في المكان الذي يعمل فيه، أو يجاملونه اتقاءً لشره إن كان قادراً على عرقلة حاجاتهم من قريب أو بعيد. وإن دارت الدنيا وفقد واحد من هؤلاء البعض صفته الوظيفية-المهنية، يصبح يعتقد عندها أنه غير مهاب في عيون الناس، وهذا ما يدفعه بالتالي لعمل كل ما بوسعه ليتقمص صفات عامة جديدة، أو يتمسح بأية جهة أو مكان عام يكتسب منه صفة وظيفية-مهنية ما.

لعلي لا أغالي إن قلت: "إن هذا السلوك في تقديم الشخص لنفسه في الأماكن العامة ومع الآخرين ممن لا يرتبطون به في محل وظيفته-مهنته، بصفته غير الشخصية" هو السلوك السائد في مجتمعنا العراقي. وبقليل من التحري عن دوافع هذا السلوك، سنكتشف أنه سلوك يرجع لثقافة الأبهة التي يتربى عليها الفرد عندنا، ولاتقاء شر الآخر دون الدخول معه في علاقات إنسانية قائمة على مبدأ المساواة، وذلك برسم الحدود الشخصية معه من البداية، لأن تقديمنا أنفسنا بصفتنا غير الشخصية، يعني أننا أتباع جهة ما؛ صاحبة سلطة ما؛ قادرة على حمايتنا إن شاء الآخر تجاوز حدوده معنا، كما أن صفتنا الوظيفية-المهنية تكشف للآخر بتعبير غير مباشر مقدرتنا المالية؛ وبالتالي مكانتنا الاجتماعية في مجتمع قائم على "السلطة والقوة" وليس على الإخاء.