عن تناقض الفرد العراقي
محمد الكرخي
«اجتماع الشيء ونقيضه” أمر طبيعي جداً في وجداننا الفردي والجماعي، فأن نقول أو نفعل الشيء ونقيضه في نفس الوقت؛ مما جُبلنا عليه وألفناه حتى أصبح هو المرجع الذوقي والأخلاقي في ثقافتنا العراقية ويا ويل من يشذ عن هذا السلوك.
قد يظن البعض أن السبب الرئيس لانتشار هذا السلوك هو: “الضغط الاجتماعي بمختلف أشكاله ومستوياته على الفرد العراقي” مما يدفع بهذا الأخير لاتخاذ التناقض سلوكاً اجتماعياً-أخلاقياً يذود به عن نفسه ومصلحته وعياله ورزقه، وهو ظن ليس ببعيد عن الصواب، إلا أن هذا السبب ليس سوى سبب ثانوي لتناقض الفرد العراقي.
لماذا لا نسأل السؤال الآتي: لماذا يُجبر المجتمع العراقي الفرد على أن يكون متناقضاً في أفعاله وأقواله؟ أن يوجد المجتمع، مما يعني “تكوُن سُلطة” وتكون السُلطة لا يمكن أن يتحقق دون “اعتقاد ما أو أدلوجة أو بالقليل تَشارك جماعة من البشر بأهداف محددة”، وتأسُس الاعتقاد أو الأدلوجة أو وعي الجماعة البشرية بأهداف محددة مرتبط بشكل مباشر بالظروف المختلفة والمحيطة بالمجتمع صاحب السُلطة. ومما تقدم، يمكننا أن نلاحظ العلاقة المباشرة بين «تناقض الفرد العراقي» كسلوك من جهة، وبين التفاعل المتبادل بين هذا الفرد وبين السلطة بمختلف أشكالها ومستوياتها من جهة أخرى.لأن الحق والعدل والخير والجمال وو، وكل مشاعر أو أفكار متعالية عن الحاجات الأولية للإنسان تقترن بمدى تَحضُر الفرد-الجماعة-المجتمع وهي -أي المشاعر والأفكار المتعالية- من نتاج “الوعي” لا الحاجة [الوعي يرادف العقل، والحاجة ترادف السُلطة]، فإنه مما يصعب أو يستحيل على المجتمع غير المتحضر أن يربي أفراده على “الصدق” وعدم التناقض أو النفاق، وذلك لأن السلطة في المجتمع غير المتحضر تتأسس على “الحاجة” لتنظيم الجماعة البشرية وفق تراتبيات مصلحية-فئوية جامدة، ولا تتأسس وفقاً للوعي برفاه أفراد الجماعة.
إن الفرد في مجتمعنا العراقي يتأقلم أخلاقياً من حيث موقعه من السلطات المختلفة التي يتماس معها طوال حياته، وليس من حيث هو لبنة أساسية في وجود أية سلطة منفصلة عنه؛ تستمد شرعيتها القانونية-الأخلاقية بالقوة والنفوذ؛ لا وعيه بضرورة وجود السلطة ككيان جماعي وظيفته صناعة الرفاه الإنساني-الاجتماعي.
لقد أوجدت العلاقة غير السليمة بين الفرد العراقي والسلطة بأشكالها ومستوياتها المختلفة [سلطة عائلية-سلطة دينية-سلطة طائفية-سلطة عشائرية-سلطة حزبية-سلطة سياسية-سلطة عسكرية-سلطة وظيفية إلخ] أمراض نفسية واجتماعية وأخلاقية في مجتمعنا العراقي، يصعب الشفاء منها.