إختلاف الجينات وراء رحيل ميار
عامر محسن الغريري
تستقبل القرى والأرياف كل عام اعداد كبيرة من معلمي الابتدائية ومدرسي الثانوية الذين يخوضون تجربة التعليم في السنوات الأولى من حياتهم المهنية بعيدا عن المدينة مرتع صباهم ومكان ملاعبهم ليرتمون في احضان مدارس القرى النائيه فيبتهجون بمرأى الحقول الخضراء و حياة الطبيعة الهادئة في غدوهم ورواحهم .. ومع مرور الأيام يستشعرون بنعمة البعد عن صخب المدينة وضجيجها_ بعد ان بانت الكآبة على وجوههم في ايام التنسيب الاولى_وتطيب لهم عشرة الناس الذين يتلفعون بالعباءة ويعتمرون العقال ولايتسلل الخداع والكسل والغش والخمول الى نفوسهم ومجالسهم وهم الذين يسقون الارض دمهم وعرقهم لاستخراج خيراتها انهم اهل الريف الذين تملأ الطيبة والصبر حياتهم هؤلاء الضيوف الذين انخرطوا في سلك التعليم باتوا يشاركون الناس افراحهم واحزانهم ويسعدون بوجودهم بين من يفرقون طاقتهم في منابت الزرع وحقول الخضرة درءا للفقر والحاجة ..
كنت شاهدا على محبت هؤلاء المثقفين للطفله ميار بنت قرية الثوار الريفية ذات العيون الجميلة والشعر المنسدل الاسود على متنها رغم ضعف بنيتها بسبب المرض الذي لاحقها من الولادة لاختلاف الجينات بين الاب والام والذي حرمها نعمة السمع والنطق والتنفس بحرية كانت ميار تحل ضيفه على غرفة المدرسين برفقة اباها مدرس التربية الاسلامية لانشغال والدتها بالدراسة الجامعية فنراها تتنقل في فضاء الثانوية كانها حمامة توزع الابتسامة وتكرم من الحلوى والشرابت التي تمسك بها تحمل احيانا حقيبة حمراء على ظهرها النحيف مقلدة اطفال الابتدائية تتعامل بالاشارة وتنال محبة الجميع انقطعت ميار عن زيارة المدرسة وغاب والدها فترامت الأخبار عن رقودها في احدى المستشفيات لمعاناتها من صعوبة التنفس وبعد ايام رحلت البراءة الى عالم الخلود وتنادى الجميع بحضور صلاة الجنازة لقد طفرت الدموع من العيون وعلت الكآبة الوجوه لكن ما خفف من وقع المصيبة اننا مؤمنون بان الجميع زرع الله هو الذي اعطى هو الذي أخذ رحم الله ميار وجعلها من طيور الجنة .