الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
القاسم بن موسى الكاظم.. سمو المبدأ وعراقة النسب

بواسطة azzaman

القاسم بن موسى الكاظم.. سمو المبدأ وعراقة النسب

حسين الزيادي

 

تزخر السلالة العلوية الشريفة بشخصيات عظيمة قدّمت إسهامات جليلة في تاريخ الإسلام، ومن بين هذه الشخصيات البارزة القاسم بن موسى الكاظم ، الذي جمع بين شرف النسب العلوي والفضائل الشخصية، وعُرف بـغريب سُورا ، نظراً لظروف هجرته ووفاته، فقد كانت سيرة القاسم نموذجاً للإنسان المؤمن الذي يجمع بين شرف النسب وعلو الهمة، والثبات على المبدأ على الرغم من قساوة الظروف ، فمن كونه ابناً للإمام الكاظم وشقيقاً للإمام الرضا، الى هجرته وعمله ساقياً للماء، ثم زواجه وعيشه بين الناس متخفياً، وانتهاءً بوفاته غريباً في أرض سورا التي أصبحت تسمى فيما بعد بناحية القاسم.

النسب والنشأة

ينحدر القاسم بن موسى من أشرف الأصول النسبية، فهو شقيق الإمام الرضا والسيدة فاطمة المعصومة، مما وضع عليه منذ الولادة في المدينة المنورة سنة 150 هـ مسؤولية حمل راية العلم والورع التي اشتهر بها أهل البيت عليهم السلام، وكان الإمام الكاظم يحبه حباً شديداً، وقد ورد عنه قوله: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُهُ فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي إِيَّاهُ وَرَأْفَتِي عَلَيْهِ، وهي شهادة لا تُقال إلا لمن بلغ مرتبة سامية في العلم والورع والفضيلة، كما أن ثقة الإمام الكاظم به بلغت درجة جعلته متولياً على صدقاته.

الهجرة: من المدينة المنورة

عاش القاسم في مرحلة سياسية وامنية حرجة ، إذ كانت فيها الملاحقة للعلويين في ذروتها ، فاضطر القاسم إلى مغادرة المدينة المنورة خائفاً متخفياً، قاصداً العراق لزيارة قبر جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وتروي المصادر التاريخية قصة وصوله إلى منطقة قرب الكوفة تدعى (سورا) او (صورى) وهو اسم آرامي قديم ، فاطمأن قلبه إلى هذا المكان و استضافه شيخ المنطقة ثلاثة أيام، وبعدها طلب القاسم من الشيخ أن يجد له عملاً يكسب منه قوته، فاختار أن يعمل ساقياً للماء، متجلياً بذلك بخلق التواضع، ولان في سقاية الماء اجراً كبيراً .

بناء المجتمع وعطاء الرجال

لم يكن وجود القاسم في ذلك الحي مجرد وجود لاجئ سياسي، بل كان نواة لتغيير إيجابي في المنطقة، حيث ظهرت منه كرامات عدة زادت فيها بركات الماء والغلة والانتاج وتكاثرت الاموال، وظهرت شجاعته عندما هاجم بعض الغزاة الحي في غياب رجاله، فتصدى لهم واسترد المسلوبات، كما لاحظ الشيخ تقواه وورعه، اذ كان يقضي الليل بين قائم وقاعد وراكع وساجد، وعلى الرغم من ان القاسم لم يفصح عن نسبه الشريف لدواعي امنية قررالشيخ تزويجه من إحدى بناته ، وهي سابقة لم تكن مألوفه سابقاً، فبنات الشيوخ لايتزوجن الا من الشخصيات المعروفة وابناء عمومتهن، إلا أنّ ورع القاسم واخلاقه وشجاعته أودعاه مكانة الثقة في قلوب من حوله

الوفاة والإرث الروحي

عندما اشتد به المرض، كشف عن نسبه للشيخ قائلاً:  نعم، أنا ابن الإمام موسى بن جعفر، توفي القاسم سنة 192 هـ، ودفن في المنطقة التي أصبحت تعرف فيما بعد باسم مدينة القاسم في محافظة بابل بالعراق ، وهي من المناطق السياحية والزراعية الرائدة في جنوب العراق ويعد مرقد القاسم النواة الحقيقية لنمو المدينة ونشأتها واستقطاب الناس اليها ، وُيعتبر مرقد القاسم اليوم مهوى للقلوب، حيث يؤمه الملايين من الزائرين، وقد ورد عن الإمام الرضا: من لم يستطع زيارتي لبعد مسافتي فليزر أخي القاسم، مما يدل على علو منزلته الروحية ، وقبيل وفاته أوصى القاسم الشيخ أن يأخذ ابنته فاطمة إلى المدينة المنورة لتكون بين اهلها واعمامها فهي من نسل الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم.

نموذج يحتذى به

تمثّل سيرة القاسم بن موسى الكاظم نموذجًا فريدًا يجمع بين شرف النسب وعلوّ الهمّة والثبات الراسخ على المبدأ؛ فقد اجتمعت في شخصه خصال الزهد والنبل والورع، وتجلّت في مواقفه شجاعةٌ تعكس عمق إيمانه وصدق انتمائه، ولم يكن القاسم مجرد واحدٍ من أبناء بيت النبوّة، بل كان مثالاً للرجل الذي يسمو بأخلاقه قبل مكانته، ويجسّد قيم التضحية والإيثار في مسيرة اتسمت بالالتزام والصفاء، فغدا رمزًا يُستشهد به عند الحديث عن الثبات على الحق مهما اشتدّت المحن وتعاظمت التحديات، ورغم الظروف الصعبة، فمن كونه ابناً للإمام الكاظم وشقيقاً للإمام الرضا، إلى هجرته وعمله ساقياً للماء، ثم زواجه وعيشه بين الناس متخفياً، وانتهاءً بوفاته غريباً في أرض سورا قدّم القاسم نموذجاً يحتذى به في التواضع والصبر والعمل والثبات، مما جعله رمزاً للمظلومين والغرباء، وتظل سيرته نبراساً يضيء درب المحبين والزائرين الذين يتوافدون على مرقده الشريف مستلهمين العبر والدروس.

 

 

 

 


مشاهدات 94
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2025/11/17 - 2:55 AM
آخر تحديث 2025/11/17 - 5:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 171 الشهر 11932 الكلي 12573435
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير