الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أظنها أغلقت الباب

بواسطة azzaman

كلام أبيض

أظنها أغلقت الباب

جليل وادي

 

ضحك من كل قلبه صديقي الناقد المبدع الاستاذ الدكتور علي متعب رئيس تحرير مجلة الأديب العراقي الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عندما قلت له : لو توفر لي مكان مماثل لمسكن الكاتب الكبير جبران خليل جبران لكتبت ما هو أكبر من كتاب النبي الذي جسد فيه ذروة فلسفته، ومع ان جبران كتب أغلب قصصه وشطحاته الفلسفية في المهجر، الا اني أكاد أجزم ان منطقة (بشري) اللبنانية المنزوية على ارتفاع (1500) متر فوق مستوى سطح البحر الأبيض المتوسط، كانت تسكن روحه، وان دخان مواقدها ملأ أنفه، وبخار وديانها حمله بأجنحته الى السماء السابعة، وألوان الطبيعة تشربت في أنامله فعبرت عما يعتلج في دواخله بلوحات تجبرك على التأمل فيها. ومثلما لا يمكن للكاميرا مهما كانت تقنياتها أن تعكس الجمال الالهي المتجسد في الطبيعة كما نراه بعيوننا، فلا شيء آخر يماثل الكتابة في قدراتها على تجسيد المعاني بأشكال فنية غير مطروقة، لكن الكتابة تقتضي طقسا وحماسا ووقتا، ولعل المكان يأتي في مقدمة ما يتطلبه طقس الكتابة الخلاقة، وما زلت كحال جميع كتابنا نفتقد لهذه الاشتراطات، فقد بلغ عمري كاتبا  أكثر من أربعين عاما، لكن جل ما كتبته جاء تحت ضغط ضيق الوقت وانعدام الطقس، وفي أمكنة لا تليق بالكتابة، وفي أجواء متأزمة ليس لأسباب شخصية، وانما للبيئة التي نكتب في اطارها. ومع كل هذه الضغوط أنجز كتابنا الكثير مما لا يعتد به والقليل مما يصنف على الابداع، والسؤال : كيف سيكون منجزنا لو توافرت متطلبات الكتابة الحقيقية ؟، اظن أن لا أحد سيكون بمقدوره مجاراتنا، لأننا أصحاب أول حرف، وعلمنا البشرية كيف تكتب وتقرأ ؟.

تأملوا في سيرة مبدعينا، ستجدون أغلبهم يكابدون شظف العيش، الفقر كان رفيق دربهم على الدوام، يعانون العوز والحرمان، ومع ذلك كتبوا وأنجزوا، قد يقول قائل : ان الابداع وليد المعاناة ، ولولاها لما تمكنوا من انجازاتهم، وأقول : لا، الكاتب بحاجة الى من يحرره من العوز ليتفرغ للكتابة، الفقر وشعوره بالتقصير الانساني ازاء عائلته قيد على الابداع، ويقلل من شأنه في وسطه الاجتماعي، وأعرف الكثير من المبدعين الذين انتصروا الى الايفاء بالتزاماتهم العائلية على حساب الكتابة، كقبولهم بأي عمل يدر عليهم ما يعينهم على توفير قوت عيالهم، او العمل موظفا في دائرة أبعد ما تكون عن اهتماماته، ما يستنزف جل وقته، ولا يتيح له ما يكفي للعمل المبدع.

العيش بكرامة اسوة بالآخرين هذا ما يتطلع له المبدعون، وليس عيشة استجداء  تتفضل بها الدولة عبر عطاياها بين الحين والآخر، كما فعل النظام السابق بصرف مكافآت يستلمها المبدعون بطريقة مذلة، في واحدة منها رأيت أسماء لامعة لها مكانتها المرموقة عراقيا وعربيا وقفت بالدور لاستلام الفتات من العطايا، بينما هناك من لا قيمة لهم ينعمون بكل شيء. علينا أن نفرّغ هؤلاء المبدعين للكتابة وفي مختلف صنوفها، فان كانوا من غير الموظفين نحررهم من مهنة (الكاسب) المتذبذبة في مردوداتها، ونعدّهم موظفين ونصرف لهم راتبا شهريا كأي موظف آخر، وان كانوا يعملون في القطاع العام نحررهم من قيد الوقت والتزاماتهم الوظيفية وتفريغهم للإبداع بحسب رغبتهم، مقابل انجاز ما مطلوب منهم الذي تحدده لجنة مختصة في هذا الشأن، بتقديري لن يتهاون المبدعون بمنجزاتهم في حال تفرغهم، لأنها مرتبطة بأسمائهم وتاريخهم، ولكني أتوقع اختراق تصنيف المبدعين عن غيرهم بتقديم غير المبدع على المبدع كما هي الحال في الكثير من الخروقات، ومهما كانت تلك الخروقات، فربح الجزء أفضل من خسارة الكل. الكلام في هذا الشأن له تفاصيل لا يتسع لها المقال، لكن أبرزها ما قالته زميلتي الاستاذة الدكتورة يسرى عبد الوهاب : بأن مقترحك بحاجة الى تشريع، ولا أدري ان كانت قد أغلقت الباب على مقترحي ام لا ؟ .

 

jwhj1963@yahoo.com


مشاهدات 192
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/01/04 - 3:33 PM
آخر تحديث 2025/01/06 - 7:30 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 499 الشهر 2785 الكلي 10092750
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير