حديث في اللغة العربية
باقر الكرباسي
إنه لممكن القول وبثقة تامة أن أعظم ما ابتدعه الإنسان العربي في جاهليته هو اللغة العربية بخصائصها الفريدة وتجلياتها الرائعة ، كانت لغة إبن البادية والصحراء والنفس الجياشة بالفكر والعاطفة والخيال ، فقد كانت العربية صورة الطبيعة والإنسان، وعندما تنزل القرآن الكريم باللغة العربية زادها ثراءً وجمالاً , فازدهت حسناً بسحر بلاغته واتسع أفقه بمعانيه ، لغتنا غنية بحر بل محيط المحيطات فيه الدر واللآلي فأين الغواص على قول حافظ ابراهيم :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
وتعد اللغة العربية من أهم مظاهر الإرث الحضاري والتراكم الإبداعي والإرتقاء الفكري في تاريخ البشرية سواء في دقة أنظمتها التعبيرية أم في صياغة أبنيتها أم في تنوع دلالات تراكيبها أم في قدرتها على التوليد والنماء والإتساع في المعاني ، فهي لغة حية وهي أداة تفكيرنا والوسيلة التي نعرف بها ألوان أحاسيسنا ومشاعرنا وهي أعز ما نملك وندخر .
قال أحد الشعراء :
أيا لـغة الـقرآن أنت حـياتنا
ومرآتنا فيما نقول ونفعل
جذورك في التاريخ شتى عميقة
وتاجك في أفق العلا يتوغل
تحـية إكبــار وحـــب مـــتيم
لعينيك ما يلقى وما يتحمل
لعل الليالي السود تنجاب في غد
ويشرق صبح بالعدالة مقبل
أما خصائص هذه اللغة ومؤهلاتها مما جعلها أول لغة عالمية انتشرت بإنتشار القرآن الكريم والإسلام اللذين حلا و سارا مع المسالمين من مشارق الأرض ومغاربها ، فإن المسلم مهما كانت لغته يتلو القرآن الكريم باللغة العربية التي نزل بها ففتح القرآن آفاقاً واسعة لهذه اللغة ونقلها إلى ميادين أوسع من الفكر والبحث والإستيعاب ، فالقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي احتفظ بلغته الأصلية وحفظها على قيد الحياة وسيحفظها على مر الدهور وستبقى بمنجاة من الموت حية في كل زمان مخالفة القواميس الطبيعية التي تسري على سائر لغات البشر ، ولا غرو فهي متصلة بالمعجزة القرآنية الأبدية ، فالقرآن هو الحصن الذي تحتمي به اللغة العربية وتقاوم أعاصير الزمن وعواصف السياسة المعادية ووسائلها الهدامة .
إن لغتنا العربية مشهورة بتنوع أساليب التعبير فيها وبكثرة مجازاتها وجمال فنون القول فيها حتى أسماها بعضهم باللغة الشاعرة ,
قال أحد الشعراء :
لو لم تكن أم اللغات هي المنى
لكسرت أقلامي وعفت مدادي
لغـة إذا وقـعت عـلى أسـماعنا
كــانت لــنا برداً عــلى الأكبــاد
ســتظل رابــطة تــؤلف بــيننا
فــهي الرجــاء لنــاطق بالضــاد
وتقارب الأرواح ليس يضيره
بــين الــديار تــباعـــد الأجســاد
أنا كيف سرت أرى الأنام أحبتي
والقــوم قــومــي والــبلاد بــلادي
إن هذه اللغة يجب أن تتطور وتبقى وإصلاحها حسب بعض المختصين يقوم على ثلاثة أسس هي :
1 - إصلاح المفاهيم العامة التي يقوم عليها هذا التعليم .
2 - العناية بالطالب فكلما زاد استعمال الطالب لهذه اللغة زاد نموه اللغوي وقويت ملكته .
3 - العناية بالمادة اللغوية المدروسة التي تروم تقديمها للمتعلم .
وقضية أخرى مهمة هي ما نعانيه في استخدام الفصحى نطقاً كما أن لوسائل الإعلام المنطوقة والإذاعة والتلفاز تأثير كبير في المتلقين إذ أنها مدارس منتشرة في كل مكان يسمعها الصغير والكبير والرجل والمرأة فإذا استخدمت هذه الوسائل لغة صحيحة فصيحة فلسوف يقلدها الناس ويتبعونها ويأخذون منها، لذلك علينا العناية الفائقة في الكلمة المنظومة في وسائل الإعلام مبنى ومعنى .