الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لطمية الغد .. أي صوت سيسود؟

بواسطة azzaman

لطمية الغد .. أي صوت سيسود؟

الزهراء حداد

 

لطالما كانت اللطمية الشيعية صوتًا عاطفيًا يعبّر عن الحزن والمأساة التي عاشها أهل البيت في كربلاء، وهي فنٌّ ديني شعبي استمرّ لقرون في نقل قصة الإمام الحسين بلغة الدمع والانكسار. غير أن السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ عام 2017، شهدت تحولًا واضحًا في هذا الخطاب، حيث بدأت اللطميات تتجه نحو لغة القوة، والفخر، والانتصار، في مقابل السرديات القديمة التي ركزت على الألم والتأثر الوجداني.

هذا التحوّل لا يمكن عزله عن التغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي مرّ بها الواقع الشيعي، خاصة في العراق ولبنان وإيران. فالخطاب الديني الشيعي، سواء في خطب المنبر أو في اللطميات، هو في جوهره نوع من الفنّ التعبيري، يتجسّد في الشعر، والصوت، والالقاء الوجداني المؤثر، ويعمل كمرآة للواقع المحيط. إنه خطاب يتأثر بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، كما يُسهم في تشكيل وعي الجمهور وتوجيه مزاجه العام.

في السابق، كانت لطميات مثل «يمّه ذكريني» أو «مشتاق أشوفك يا حيدر» بصوت الرادود الشهير باسم الكربلائي تُعبّر عن مشاعر الحزن والانكسار والشوق. كانت هذه القصائد تعتمد على سردية الضحية: الحسين وأهله في كربلاء يُذبحون، والموالون يذرفون الدمع مواساة.

فنّ ديني

لكن بعد 2017، بدأت تشتهر لطميات ذات طابع مختلف تمامًا. مثال على ذلك، اعادة القاء «احنه غير حسين ما عدنا وسيلة» للرادود حمزة الصغير بصوت باسم الكربلائي، التي تضع الحسين في موضع القائد الأعلى، وتستبعد كل زعامة سواه، حتى السياسية منها. هي لطمية تحمل خطاب القوة، والولاء العقائدي، والانتماء الحصري.

هذه اللغة الجديدة تعبّر عن واقعٍ تغيّر: الشيعة في مواقع قوة نسبيًا في العراق ولبنان، والصراع لم يعد دفاعًا فقط، بل إثبات وجود. وهنا يظهر كيف يتحوّل الفنّ الديني إلى انعكاس لمعادلات القوة والنفوذ على الأرض.

لكن هناك خطاب آخر...

في الجهة المقابلة، وبالتوازي مع الخطاب الحماسي العقائدي، ظهرت لطميات تميل إلى لغة أكثر شمولًا وروحًا إنسانية، تعزز فكرة وحدة الهدف والمصير بين المسلمين أو حتى بين البشر. من أبرزها قصيدة «كل خطوة نمشيها» بصوت الرادود خضر عباس، التي تصوّر مسيرة الأربعين كرحلة حب ووحدة، لا كمعركة أو انقسام. كذلك، قصيدة «سفرة إلى الله» التي يُقدمها حيدر البياتي، تحوّل الزيارة من طقس شعائري إلى تجربة روحانية عميقة، تتجه من الحسين إلى الله، ومن الطقس إلى المعنى.

هذه القصائد تُخاطب جمهورًا أوسع، وتبتعد عن الحصرية المذهبية، لتقدّم الحسين كإمام إصلاحي عالمي، لا فقط كرمز طائفي.

صراع ناعم بين هويتين

المفارقة أن كلا الخطابين موجودان داخل نفس المجتمعات، بل أحيانًا يصدران عن نفس الرادود أو الشاعر. فنرى باسم الكربلائي يُنشد تارةً «احنه غير حسين ما عدنا وسيلة»، وتارةً أخرى يشارك في أعمال وجدانية أو وجدانية-وطنية. هذا ليس تناقضًا، بل يعكس واقعًا شيعيًا متعدد الأبعاد.

اي ان هناك من يريد الحفاظ على التميز العقائدي والتأكيد على التفرد والانتماء. وهناك من يريد خطابًا يوحد، ويشرك الآخر، ويتجاوز الحواجز الطائفية.

وكل هذا يعكس حقيقة أن الخطاب الديني الشيعي لم يعد مجرد ممارسة شعائرية، بل أصبح فنًا حيًّا يتشكل باستمرار حسب إيقاع الزمن والحدث والمجتمع.

اللطمية ليست فقط وسيلة تعبير ديني، بل هي مرآة للوعي الجمعي، أداة فنية تُعبّر عن الانتماء، والوجدان، والموقف. ما بعد 2017، أصبحت هذه المرآة تعكس قوتين متعاكستين: الأولى تُمسك بالدمعة وتحوّلها إلى سيف، والثانية تُذيب السيف في دمعةٍ تحلم بوحدة أوسع.

يبقى السؤال: هل اللطمية القادمة ستنشد للقوة أم للسلام؟ ربما، ستفعل الأمرين معًا

 

 

 


مشاهدات 93
الكاتب الزهراء حداد
أضيف 2025/07/06 - 3:04 PM
آخر تحديث 2025/07/07 - 8:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 225 الشهر 3664 الكلي 11157276
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير