إلى أين ؟.. غلق منافذ توزيع رواتب الحشد الشعبي
وليد الحيالي
أثار قرار غلق بعض منافذ توزيع رواتب منتسبي هيئة الحشد الشعبي في العراق، أو تأخيرها المتكرر، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية، نظراً لما تمثله هذه القوة من حساسية في البنية الأمنية والسياسية للدولة العراقية. لا يمكن فهم هذه الخطوة في سياق إداري بحت، بل ينبغي تحليلها ضمن أبعادها المتعددة: السياسية، الاقتصادية، والأمنية، وخاصة في ظل التصاعد الإقليمي والتوتر الداخلي المستمر.
أولاً: الخلفية السياسية للقرار
منذ تأسيس الحشد الشعبي بعد فتوى “الجهاد الكفائي” عام 2014، تحوّل إلى قوة عسكرية رديفة للجيش العراقي، وتم دمجه لاحقاً ضمن المؤسسات الرسمية، مع ما رافق ذلك من تعقيدات قانونية وإدارية. ومع اشتداد الصراع على النفوذ بين القوى السياسية العراقية، خصوصاً بين الأطراف الموالية لإيران وتلك التي تحاول إعادة التوازن للعلاقات الخارجية، أصبح الحشد في قلب التجاذبات. قرار غلق أو تأخير منافذ صرف الرواتب، لا يُقرأ بمعزل عن محاولات بعض الجهات الحكومية أو الأطراف الدولية الحدّ من النفوذ المتنامي لبعض فصائل الحشد، خاصة تلك التي تُتّهم بتجاوز صلاحيات الدولة أو العمل خارج إطارها المؤسسي.
ثانياً: التداعيات الاقتــــــصادية والاجتماعية
من المعروف أن رواتب الحشد تمثل مصدر عيش رئيسي لآلاف العوائل، لا سيما في مناطق فقيرة ومتأثرة بالحروب مثل ديالى، صلاح الدين، الأنبار، وأطراف بغداد. وعليه، فإن وقف صرف هذه الرواتب أو عرقلتها قد يُحدث حالة من الاحتقان الاجتماعي والانكفاء نحو خيارات بديلة أكثر راديكالية. كما أن بعض التحليلات ترى في هذا الإجراء ضغطاً مقصوداً من أجل إعادة هيكلة فصائل الحشد، أو دمجها قسراً ضمن المؤسسة العسكرية على نحو يقلل من استقلاليتها.
ثالثاً: أبعاد أمنية حرجة
لا يمكن تجاهل الخطر الأمني الذي قد يترتب على حرمان آلاف المقاتلين من رواتبهم، خاصة في ظل ضعف البدائل الاقتصادية. فالبعض قد يلجأ إلى الانخراط في شبكات التهريب أو المليشيات غير المنضبطة أو حتى بيع الخدمات الأمنية لجهات خارجية.
تفكك داخلي
ورغم أن هيئة الحشد الشعبي أكدت التزامها بالضوابط القانونية واستعدادها للتدقيق المالي، إلا أن استمرار مثل هذه الإجراءات قد يؤدي إلى تفكك داخلي أو انقسام فصائلي خطير.
رابعاً: قراءة في المآلات المحتملة
يبدو أن الحكومة العراقية أمام مفترق طرق:
1. إما أن تستمر في هذا النهج التصعيدي، مما قد يقود إلى صدام مفتوح مع فصائل الحشد، وانقسام المجتمع الأمني، وتغذية الاحتقان الشعبي.
2. أو أن تلجأ إلى تسوية سياسية، تضمن إعادة تنظيم الحشد دون تجريده من شرعيته، وتحفظ توازن القوى في الداخل العراقي، مع طمأنة الحلفاء الدوليين على ضبط أداء الفصائل.
في كلتا الحالتين، لا يمكن التعاطي مع هذا الملف بقرارات فجائية أو معالجات سطحية، لأنه ملف يتداخل فيه الأمني بالاجتماعي، والدستوري بالعقائدي.
الخلاصة:
إن غلق منافذ توزيع الرواتب عن الحشد الشعبي لا ينبغي أن يُختزل في بعد مالي أو إداري، بل يجب التعامل معه كأحد مؤشرات الخلل البنيوي في إدارة الدولة، واختبار لقدرتها على فرض السيادة دون الإخلال بالعدالة والوفاء تجاه من قاتلوا دفاعاً عن الوطن.
أي معالجة قاصرة أو متسرعة قد تفتح باباً لفوضى أمنية لا تُحمد عقباها، وتعيد إنتاج دوامات العنف والتمزق الطائفي. ويبقى الأمل في عقلاء الدولة أن يتعاملوا مع هذا الملف بما يستحقه من حكمة وشجاعة واستشراف.