الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سوسيولوجيا الوطن المصلوب في رومانسية السياسة


سوسيولوجيا الوطن المصلوب في رومانسية السياسة

من قال إن القصيدة لا تقاتل؟الشاعرة  : مي الحلاني

 

عبدالكريم الحلو

________

 

 القصيدة :

---------

 يا وَطَناً تسوسه السيوف المهملةُ..

من صدرك الطاهرِ تُشعلُ الحروبُ سجائرَها !

وأنتَ تدفعُ ضريبةَ أن تكونَ جميلاً

في ساحةٍ تُجيدُ صُنعَ الجلّادينَ من التراب..

كتبُكَ منهوبةٌ.. وأغانيكَ منفيّةٌ..

وحتى خيلُكَ شاختْ من فرضِ الحدود !

من قالَ إنّ الشمسَ تُشرقُ طواعيةً؟!

من قالَ إنّ القصيدةَ لا تُقاتلُ؟

من قالَ… من قال؟

أحبُّك… لكنّي أطلقُ النارَ على القبلاتِ

لأنّ الحبَّ الآنَ لا يُنقذُ شعباً ولا يُسقطُ

جدرانَ الزيفِ إلا المدادُ المُزلزلُ !

وأنا لا زلتُ أحملُ حِبراً

لكنهُ يصرخُ.. ويصرخُ.. ويصرخُ

وأنتَ تدفعُ ضريبةَ أن تكونَ جميلاً !

 

١  ) القراءة النقدية السوسيولوجية :

----------------------------------

مقدمة :

ينتمي هذا النص إلى الكتابة الشعرية التي تتقاطع فيها الذات الفردية مع الهمّ الجمعي، في مساحة تتجاوز المألوف الشعري إلى منطقة الاحتجاج الاجتماعي والسياسي. هو نصّ يُعرّي أزمة الجمال في مجتمع مأزوم، ويكشف العلاقة المختلة بين الفرد والمجتمع، وبين الثقافة والقمع، وبين الفن والسلطة.

 

محاور القراءة السوسيولوجية :

 

1-  الوطن كنسق اجتماعي مهزوم

* “يا وطناً تسوسه السيوف المهملة

تعكس هذه العبارة خلل السلطة السياسية التي تدّعي الحماية لكنها فاقدة للفاعلية. الوطن هنا ليس مقدّسًا،

بل ضحية لفساد أنظمته.

 

السيوف المهملة:

رمزية القوة المعطلة والشرف الميت → المجتمع مكشوف، مفتوح للاستباحة من الجميع.

 

2- تفكك الهوية الثقافية والاجتماعية

* “كتبك منهوبة.. وأغانيك منفيّة

 

الأزمة الثقافية تظهر بوضوح؛ الثقافة مسلوبة، والفن منفي. الهوية الجمعية مغتربة داخل وطنها.

النفي الثقافي  :

 انعكاس مباشر للاغتراب الاجتماعي والسياسي

ليس هناك فقط اغتراب جسدي،

بل اغتراب رمزي في قلب الوعي الجمعي.

 

3- المثقف في مواجهة الجلاد الاجتماعي

* “أنت تدفع ضريبة أن تكون جميلاً في ساحة تجيد صنع الجلادين من التراب

 

الجمال هنا ليس شكلاً، بل موقفاً،

هو موقف المثقف والفنان والإنسان المختلف.

لكنه يتحول إلى تهمة اجتماعية في مجتمع ينتج جلاديه من صميم تربته.

هنا القمع ثقافة اجتماعية

 لا مجرد سلطة سياسية و انهيار القيم، ومكافأة القبح.

 

4- العنف الرمزي واليومي

* “من قال إن القصيدة لا تقاتل؟

 

العنف البنيوي يتسرب إلى كل شيء حتى الشعر  القصيدة تتحول من فن إلى أداة مقاومة.

العلاقات الشخصية تصبح رهينة هذا العنف:

أحبك..

لكني أطلق النار على القبلات

 الحب معطّل في زمن القهر.

 

5- الحب كقيمة عاجزة أمام الفساد البنيوي

* “لأن الحب الآن لا ينقذ شعبًا

ولا يسقط جدران الزيف

 

إعلان فقدان الثقة بالحلول البسيطة  التغيير لا يكون إلا  :

بـ “المداد المُزلزل” 

"الكتابة المقاومة الواعية."

حبّ بلا وعي يعني ترف رومانسي

لا فائدة منه.

 

6- وظيفة الحبر : من التوثيق إلى المقاومة

* “إلا المداد المزلزل

 القلم ليس للزينة،

بل سلاح رمزي.

ويصرخ.. ويصرخ..”

 صوت المثقف في مجتمع أصمّ.

 

الكتابة هنا

 مقاومة وجودية وفكرية في وجه الخذلان العام.

 

الخاتمة السوسيولوجية :

هذا النص خطابُ مثقفٍ مغترب،

يصارع اغترابًا مركّبًا:

* اغتراب عن وطنٍ فقدَ معناه.

* اغتراب عن مجتمعٍ ينتج جلاديه من داخله.

* اغتراب عن قيمٍ تحوّلت إلى شعارات فارغة.

 

* إنها قصيدة ضد اغتراب الجمال في زمن التوحش الاجتماعي، حيث يتحول الجمال والحب والثقافة إلى عبء على صاحبها، في مجتمع يحتفل بالجلاد لا بالقصيدة.

 

~~~~~~~~~~

~~~~~~~~~~

 

٢  ) قراءة نقدية في رومانسية السياسة :

~~~~~~~~~

 

المقدمة

تمتزج في هذه القصيدة مشاعر الحب والرغبة الرومانسية مع ألم الانتماء لوطن محطم، مما يجعل النص حالة مركبة من الحنين الشخصي والغضب السياسي.

 

هنا تتقاطع الرومانسية، كحالة وجدانية خالصة، مع السياسة، كحقل ملوّث بالصراع والقهر والخديعة.

 

هذا التداخل بين الحب والسياسة

 ليس مجرد زينة شعرية؛

بل هو استراتيجية احتجاجية تحمل رسائل صريحة : حتى العاطفة الجميلة باتت عاجزة أمام الخراب الكبير.

 

1-  الحب كقيمة رومانسية عاجزة

 

* “أحبك

لكني أطلق النار على القبلات

 

واحدة من أكثر صور النص صدمةً.

الحب، الذي هو عادةً مساحة النجاة والدفء، يُحوَّل هنا إلى جريمة أو فعل خيانة لو تمسك به الشاعر.

لماذا؟

لأن الحب لا يكفي أمام القهر العام،

أمام وطن تشتعل الحروب من صدره الطاهر كسجائر رخيصة.

 

* المفارقة العاطفية هنا عميقة:

الحب لا ينقذ شعبًا

ولا يسقط جدران الزيف

 

إعلان فلسفي بانكسار رومانسية الحلول الشخصية أمام فساد جماعي.

 

2-  رومانسية الوطن : الحلم المقهور

* الوطن في النص ليس فكرة سياسية باردة، بل عشيق متعب. صورة الوطن الجميل (الكتب، الأغاني، الخيول) تتحوّل إلى كائن منهك، عاجز.

 

الرومانسية هنا ليست في العشق وحده، بل في الحنين إلى وطن يستحق أن يُحب، لكنه لا يمنح أبناءه إلا ضريبة أن يكونوا جميلين.

 

3-  تزييف السياسة أمام صدق العاطفة

* السياسة في النص فضاء ملوّث، يُجيد صنع الجلادين من التراب، في مقابل الحب كقيمة عليا مغلوبة على أمرها.

* الحب = عاطفة نقية

* السياسة = ممارسة خادعة

* النتيجة : استحالة اللقاء بينهما

      في هذا السياق.

 

4-  جدلية الجمال والسياسة

* الجمال في النص

 (الشعر، الحب، الوطن)

يصبح ضريبة يجب أن تُدفع،

وكأن الجمال نفسه ممنوع سياسيًا.

 

* إذا أحببت  فأنت ضعيف

* إذا كتبت  أنت ملاحق

* إذا حلمت بوطن جميل

      فأنت مطلوب للجلاد

 

5-  من السياسة إلى الشعر :

       هل القصيدة بديل؟

 

* يأتي صوت الشاعرة المتمرّد في سؤالها الجوهري:

من قال إن القصيدة لا تقاتل؟

 

 محاولة لتحويل القصيدة إلى أداة بديلة عن السياسة القذرة.

هنا يصبح الشعر مقاومة للخيانة السياسية ومكانًا يحفظ الحب دون أن يُدنَّس.

 

الخاتمة :

رومانسية السياسة

 

في هذا النص ليست حلمًا ورديًا، بل هي رومانسية الجرح،

رومانسية الذين يحبّون رغم أن كل شيء حولهم يدفعهم للكراهية.

 

القصيدة تقول لنا ببساطة:

أنا أحبك..

لكني لا أستطيع أن أخون قضيتي باسم العاطفة.

 

إنها ليست قصيدة حب عادية،

بل حب يحمل بندقية،

حب يصرخ بالحبر لا بالقبلات فقط.

 

 


مشاهدات 88
الكاتب عبدالكريم الحلو
أضيف 2025/07/05 - 2:07 AM
آخر تحديث 2025/07/05 - 8:43 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 208 الشهر 2471 الكلي 11156083
الوقت الآن
السبت 2025/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير