الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوطن أجمل المنافي عند الشريفي


الوطن أجمل المنافي عند الشريفي

كاظـم بهَــيّــة

 

من بين تلك البيوت الغافية على الفرات وبساتين النخيل المتهدل على جرف النهر الخالد “ شط الحلة “،كجدائل الريفيات الجميلات وفي الهاشمية ،وتلك الاجواء الرومانسية بزغ ذلك الوجه الاسمر سعد الشريفي بنقاء وعفوية يكتب الشعر الشعبي والفصيح معا ، مستمدا ذلك من المعاناة السياسية والاجتماعية وعذابات تلك السنين ولأنه التعبير الصادق عن احاسيس الناس من عمال وفلاحين وفقراء .

تاثير عميق

كان الشريفي مجسدا لأحلامهم وافكارهم كل هذه قد اثرت في تفكير الشاعر وفي ثقافته وشعره تأثيرا عميقا جدا ، والتي قد تعني وتشكل رمزا ومعنى يمثل جانبا مهما انه مبعث تألقه  وإلهامه ، هذا ماوجدته عند الشاعر في اغلب قصائده ...

مشه طولي يحلو الطول وياك

          وعلى ضيم السنين العين بالعين

التعب كلما كثر اتباهه بهواك

      واصبر الصبر بي وصبرك اسنين

تعلمنه المحنه ابطيب ملكاك

         يبو حلو الغناوي وصوت تلحين

يوازين العمر بالشيب وتناك

            مثل كل اليتاني اشتاله بالطين

حبيب وانه ادري الناس تلكاك

           شمس بعناد كلمن رادك اتغيب

يلاحباب اشكثر رادونه افراك

             يظل مابيني ومابينكم طيب

ناهيك من مشاركته في مهرجان الشعر الشعبي الذي اقيم في الحلة مع بدأ الحملة الدموية لاجتثاث العناصر الوطنية حدثني  الشاعر علي الشباني عن تلك المشاركة قبل رحيله : كنا في قاعة التربية في مدينة الحلة فدعيت انا والشاعر سعد الشريفي في هذا المهرجان ، عندما نهض سعد ليقرأ قصيدته الجريئة عن انتفاضة ( معسكر الرشيد ) عام 1963 بشجاعة الجندي الثائر حسن سريع وريادته النقية ، انه لشاعر جريء ووقف من خلال عتبة السبعينيات الساكنة شتم المهادنة والتعسف وصمت المنابر ثم اعلن بصوت ساطع حقيقة المؤمرة المتداخلة على هذلا الوطن العريق . ويواصل الشباني حديثه قائلا : بعدها انهى الشريفي قصيدته واختفى كنا نعتقد انهم اعتقلوه  وغيبوه .. للموت وللعذاب ولكن بعد فترة عند القائي بالكاتب والشاعر كاظم السيد علي بهية اخبرني بأنه على قيد الحياة وزال يعيش الغربة الكاوية في “هولندا “ ففرحة كثيرا بوجود ذلك الشاعر الجرئي .

هكذا كان سعد الشريفي متحديا النظام السابق حتى بصقهم في عقر دارهم ، فأخذ بشتائم الاستنكار لما اقترفته حكومة عارف  ضد الانتفاضة الباسلة بقصيدته الثورية ضد اعداء الحرية ، هكذا كان الشريفي سعد صادقا ، اراد ان يروي طمأه برغم الازمة الكبيرة التي يمر بها ليكاد يعبر عن واقعه بالذات وعن واقع بعض الناس كما هو يحمل محنته ويواجه بها الحكومات السابقة :

يوصفونك شمس ومحنه بالكاع

        ومن حناك تشري الناس صوغات

الكصيبه البيك ماتنشره وتنباع

           تفي ّ اجروحي لوكثرن الطبرات

اشد كلبي اعلى كلبك وأوكف اشراع

           لون شافت اعيونك سمه العازات

المحنه البين كلبي وكلبك اطباع

             وانه بعازة اطباع الطيب الذات

سلاني افراكم وتباه بالجان

              وجنت انه أباري الكفل والنيب

يلحباب اشكثير رادونه افراك

                   يظل مابين ومابينكم طيب

وفعلا شد قلبه ولاجل ذلك الطيب اختفى ، قبل ان تلتهمه اقبيتهم المظلمة ليواجه العذاب وثم الموت ، لايستطيع العيش ويكتب ويبدع والاغلال تكبله من كل جانب في حياته اليومية فقبل ان يسطر على ذهنه خطاب الجهلة والظلامية ، هجر الوطن ، ليس في بمحض ارادته ، وانما نتيجة ذلك بالاضافة الى الكبت والرقيب والقسوة والمظلومية والهيمنة والتسلط واكثر من هذا الغاء الرأي والرأي الآخر التي كان يلاقيها من قبل ازلام النظام السابق ، ليرحل خارج السرب ليبحث عن حرية الرأي والكلمة الشريفة   .

توارى عن الانظار حتى استقر في هولندا منذ منتصف الثمانينات  ، برغم كل هذا وبرغم نار الغربة الكاوية في داخله ، لكنه لم ينسى وطنه والاصدقاء والاحبة  فأخذ يناجيهم في منفاه خارج الوطن والوطن بالنسبة له ( اجمل المنافي ) هذا ماكتبه في اخر رسالة بعثها لي بعد عودته الى ارض الوطن القصيرة :

 حبيناك ...

بيت وبستان وناطور

واشعار ونفحات عطور

تينه وبلبل ..

وعاشك شاف الدنيه اطيور

اشما رادوا بالمحنه انعيفك

وانغمض العين وننساك

حبيناك

فسعد الشريفي عاشقا للحياة والتجديد والابداع في غربته الموحشة القاسية ، لقد كان يستريح في ظلها ، تجرعها بافكارها وتقاليدها لكنه عنده ( احلى من العسل )  لانها اقل عذابا وقسوة ووحشية لما عاشه في وطنه وتحت وطأة الطغاة ، لكنه حافظ على عراقيته وبقي  امام عينيه وفي كل جوارحه وطنا كبيرا هو العراق بقي يناجيه برغم الاكتئاب .. الذي يخيم عليه في منفاه لم ينسى بغداد الحبيبة ودجلة ومياهها ،  وتلك الاجواء الساحرة ونفحات الف ليلة وليلة ، التي كانت  يستنشقها كل عراقي ، وتولع بجمالها واكتوى بنار حبها طوال السنين :

نحلم .. مثل ماتحلم عيون الاطفال بشي

تاخذنه المراكب على دجلة ..

والطيور ادور بينا اشواكها ..

جناحات بيض ..

والنحل يوكف على الجرفين..

 بألغازه فرح محتام

وعلى الصوبين بغداد الحبيبة اتلمن بالضي

نحلم .. نحلم نلتقي بحبابنه بكل حي

مواهب لامعة

وفعلا تحقق الحلم الذي كان يحلم به الشريفي وكل المثقفين الذين طمروا مواهبهم اللامعة في سماء الثقافة العراقية ،وعدم تسخير ابداعاتهم الادبية والفنية الى تمجد الحكومات ، الحلم الذي راودهم في بلدان اللجوء الاوربية وغيرها .

لقد تحقق بعد الخلاص من سلطة الدكتاتورية والتصفيات الجسدية والاعتقالات للمناضلين التقدميين  .ولكنه  لم يتحقيق حلمه الذي كان يحلم به مثلما تحلم عيون الاطفال . بعد عودته لارض الوطن وعند تواجده في مدينته الهاشمية في بابل ،خسرناه (بلاية وداع ) في حادث سير مؤسف يوم 10 شباط 2024

 


مشاهدات 61
الكاتب كاظـم بهَــيّــة
أضيف 2025/07/05 - 12:56 AM
آخر تحديث 2025/07/05 - 12:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 315 الشهر 2578 الكلي 11156190
الوقت الآن
السبت 2025/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير