حسن عبد .. فنان بارع غادرنا مبكراً
الخطوة الأولى مع (غاب القط ألعب يا فار)
صباح المندلاوي
قبل ان يدخل اكاديمية الفنون الجميلة في اواخر الستينات من القرن الماضي، جرب كتابة القصة واذ اقيمت مسابقة للقصة القصيرة في الموصل شارك بقصة عنوانها – الحلم – وحينما اعلنت النتائج كان هو من بين الفائزين الثلاثة والى جانب القاص نجمان ياسين. اذن هو كاتب واديب .. وله مشاركات مسرحية حينما كان طالبا في الاعدادية المركزية في الموصل عام 1967، يوم قدمت الفرقة التمثيلية في هذه الاعدادية مسرحية «غاب القطط ألعب يا فار» تأليف عبد الملك النوري واخراج علي احسان الجراح وقد انيط له دور -مطر- في هذه المسرحية اما زميله ياسين طه ياسين والذي دخل اكاديمية الفنون ايضا واصبح لاحقا رئيس فرع نقابة الفنانين في نينوى فقد لعب دور -مطشر- في صباه عرف عنه ولعه الشديد بقراءة الكتب ولاسيما الروايات والقصص، يذكر انه في الصف الاول المتوسط وقد قرأ رواية الدون الهادي لشولوخوف وان من بين اساتذته في الاعدادية الاستاذ يوسف الصائغ والاستاذ شاذل طاقة وقد شجعاه كثيراً. هو من مواليد عام 1947 الموصل ترعرع في محلة الخاتونية ودرس الابتدائية في مدرسة ابي تمام. في مرحلة المتوسطة والاعدادية كان يتابع الافلام السينمائية وخصوصا تلك التي نالت جائزة الاوسكار والتي تعرضها سينما الجمهورية في الموصل. لقد تعرف على اسماء الكثير من الممثلين وفي المقدمة منهم جارلستون ومن بين الافلام التي بقيت عالقة في ذهنه فلم «احدب نوتردام» وفلم «عبربة الرغبة» لتنسي وليامز و»ليلة الاغوانا». بعد قبوله في اكاديمية الفنون الجميلة وبأسابيع يفاتحة الاستاذ سامي عبد الحميد للانتماء الى فرقة المسرح الفني الحديث، لا يمانع رغم انه كان يجهل موقع الفرقة ويوم كانت في الباب الشرقي بجوار جسر الجمهورية وعلى مقربة من مطعم سولاف سابقاً.ينتمي الى الفرقة ومثله ايضاً عدد من زملائه من هم في الصف الاول ونذكر منهم الراحل اسماعيل خليل، ابراهيم البدري، حكمت داود، عبد الله مصطفى. وكالعادة ادوار الكومبارس تنتظر من هم في الصف الاول. الفرقة مشغولة بانتاج مسرحية «تموز يقرع الناقوس» تأليف عادل كاظم واخراج الاستاذ سامي عبد الحميد وتمثيل الفنانة الكبيرة زينب ومي شوقي وفاروق فياض والفنان النجم يوسف العاني وصالح البدري، يتم زج طلبة الصف الاول والكومبارس في هذا العمل. تبهره اجواء الفراقة المسرحية ومافيها من وجوه مسرحية وشخصيات ومشاهير لهم وزنهم ومكانتهم. اثناء تسجيل «تموز يقرع الناقوس»الى التلفزيون ومن قبل المخرج خليل شوقي بعد الانتهاء من عرضها مسرحياً، يحدث ما هو ليس على البال. في الفصل الذي يراد تسجيله والذي يستلزم حضور الفنان صالح البدري،يفاجئ اعضاء الفرقة وخصوصا الفنان الراحل فاروق فياض بغياب البدري وعدم تواجده كيف سيتم تجاوز هذا الاحراج؟ من البديل؟! هنا يتبرع الفنان حسن عبد ليلعب الدور المناط للفنان صالح البدري.
يسأله المخرج: هل انت واثق من انك ستؤدي الدور بنجاح ومهارة؟!
يأتيه الجواب سريعاً: نعم وبتفوق.
يستغرب المخرج، وربما لا يصدق البعض الآخر ان ينجح في الاختبار ولما كانو في حيرة من امرهم وما من بديل يوافقون على مقترحة.
التصوير التلفزيوني
يتول الفنان الراحل محمد يوسف الجنابي لوضع مكياج له وبدلا من الفنان صالح البدري طاقم التصوير التلفزيوني يبدأ مهمته ويباشر بالتصوير .. كل شي على ما يرام وعلى احسن حال. لقد اتقن الطالب حسن عبد الحفظ لدوره وكذلك الحركات.. بل ثمة اداء افضل. وما ان ينتهي من التسجيل حتى يهرع اليه الجميع وكأنه نزل من كوكب اخر .. يحيونه ويهناؤنه.. ويبادلونه القبلات. اثر هذا الموقف وهذا الاختبار والنجاح يمنحه الاستاذ سامي عبد الحميد درجتين اضافيتين في درس الصوت والالقاء. والاكثر من هذا انه يحظى باستحسان واعجاب اعضاء الفرقة،فهو لم يعد طالبا وهاويا وانما خطا خطواته الى الامام. وفي السنة الاولى من دراسته في الاكاديمية يشارك في ثمانية اعمال مسرحية قياسا الى زملائه الآخرين.
ها هو يلعب دورا في مسرحية -الطريق- التي كتبها والفها نصر الدين فؤاد واخرجها الاستاذ جاسم العبودي وهي تنتصر للقضية الفلسطينية ولرجال المقاومة الشجعان.
يشارك في مسرحية «الصخرة» لفؤاد التكرلي واخراج الاستاذ سامي عبد الحميد.وفي مسرحية «كاليغولا» من اخراج عوني كرومي في مسرحية «طلوع القمر» لكريكرى بك وفي مسرحية «زيت الحيتان» التي اخرجها الفنان الراحل هاني هاني ومسرحيات اخرى.في السنة الثانية من دراسته في الاكاديمية يشارك في مسرحية «المسيح يصلب من جديد» لكازتزاكي واخراج عوني كرومي ومن تقديم ستوديو بغداد المسرحي. لاحقا يشارك في مسرحية «علاء الدين والمصباح السحري» اخراج الاستاذ جاسم العبودي يلعب بتمكن ومهارة دور – العريف – في مسرحية – فيت روك – للطالبة ميكان تيري ومن اخراج الفنان الراحل جعفر علي ، وهو ما يلفت الانتباه اليه ويرفع من رصيده المسرحي. وقد عرضت المسرحية في حصن الاخيضر في كربلاء ومن بين من شاهدها شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري والمسرحية صرخة احتجاج ضد العالم الرأسمالي والحروب البشعة في السنة الثالثة من دراسته، يرسل محمد سعيد الصحاف – مدير عام الاذاعة والتلفزيون – طلباً للقائه هو وزميله اسماعيل خليل وطارق كرم يعرض عليهم وبحضور السيد سلام علي السلطان العمل في الاذاعة والتلفزيون مقابل التفرغ للعمل يعتذر كل من اسماعيل وحسن لكونهما غير متفرغين. يحاول الصحاف اقناعهم قائلاً:
اريدكم ان تعملوا في السينما والمسرح فهي بحاجة الى امكاناتكم وطاقاتكم عندها يرد حسن عبد قائلا:
هناك مشاريع سينمائية تنتظرنا ان الفنان د.لؤي القاضي وعدهم بعد التخرج بزمالات دراسية الى المانيا يغضب الصحاف مما يسمع فيوجه حديثه لحسن عبد:
انا اعرفك يا من ترتدي القميص الاسود -كان يومها حسن عبد يرتدي القميص الاسود- بأنك مشاكس.. ولكن انت فنان جيد. اسماعيل خليل هو الاخر يعترض بأنهم لم يأتوا هنا للبحث عن وظيفة لم يرق الحديث للصحاف فما كان منه الا وانفعل وقال:
الذي لا يعجبه التوظيف..يترك المكان.
يترك المكان اسماعيل خليل ويالشجاعته غير اسف او آبه
حينها يتراجع الصحاف وينادي عليه:تعال
فيعود للجلوس واياهم .
انتهت الجلسة وعلى امل ان يتم تعينهم بعد التخرج مباشرة من الاكاديمية حينما تخرجا لم يتم تعيين اسماعيل خليل مباشرة وبعد شهر واحد لكون اوراقه التحقيقية في بغداد.
اما حسن عبد وعبد الجبار كاظم فقد تطلب مفاتحة المحافظات التي جاءوا منها، وهذا يستلزم شهورا عدة. بعدها تم شمولهم بخدمة الاحتياط، وحينما عادوا من دورة الاحتياط بعد عام واحد لم يكن الصحاف او سلام علي السلطان في موقعهم حصلت تغيرات وتبدلات.
يروى ذات ليلة وبعد ان مثل في مسرحية «القاعدة والاستثناء» لبرستت ومن اخراج الاستاذ سامي عبد الحميد، ارسل بطلبه المخرج ابراهيم جلال ومن باب الاعجاب بتمثيله قال له:
اياك ان تمثل دون هذا المستوى والا سوف لن اكون راعيا لك.
خلال وجوده في الفرقة القومية يتم اختياره لتمثيل ادوار رئيسية ومهمة في مسرحيتي «المتنبي» للكاتب عادل كاظم واخراج ابراهيم جلال
ويختاره الفنان والمخرج المبدع قاسم محمد للتمثيل في المسرحيات التالية:
- طال حزني وسروري
- التارك والمتروك
- مجالس التراث
اما الفنان المبدع بدري حسون فريد فيختاره واياه للعمل في مسرحيتي «الاشجار تموت واقفة» لاليخاندكالسونا و»مركب بلا صياد»
ويشارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربيةومنها مهرجان قرطاج المسرحي بمسرحية «كلكامش» اخراج سامي عبد الحميد والذي يقام في تونس وفي اخر زيارة له وبحضور الفنان القدير د.حمودي الحارثي في منزله في الاعلام، يحدثنا عن لقائه بالشاعر الشعبي الكبير السماوي في تونس اثناء احدى زيارات الفرقة القومية اليها.
ليقول: ذات يوم اخبرني موظف الاستعلامات في الفندق بأن احدهم سأل عني.
فبقيت في حيرة من امري: من هذا الذي يسأل عني في تونس؟!
في اليوم التالي قال لي الموظف:
هو ذاك الذي يجلس مع الفنان منصف السويسي والفنان يحيى الفخراني..اشيب الرأس .. أقتربت منه واذا به «ابو طلعت» كان ابنه طلعت معه ايضاً وعمره لا يتجاوز السنوات.تبادلنا العناق والقبلات واسترجعنا الكثير من الذكريات واسماء الاصدقاء المشتركين كانت اوقاتاً لا تنسى.
شارك في الكثير من المسلسلات التلفزيونية ويبرز في تلك التي غالبا ما تكون في الفصحى.
ومن هذه المسلسلات «اشهى الموائد في مدينة القواعد» وقد انتج عام 1999 كذلك «رجال الظل» حيث يلعب دور القاضي وعن قصة جمال البدراني وسيناريو وحوار باسم التميمي واخراج صلاح كرم.
والمسلسل احداثه تروي عملية استخبارية مثيرة تقود في نهاية المطاف الى كشف شبكة من العملاء والمتأمرين لصالح الكيان الصهيوني.
واخيرا مسلسل «ملا عثمان الموصلي» وقد اسند اليه دور ملا عثمان الموصلي.
وفي ميدان السينما يمثل في فلم:حب ودراجة عام 1989
في عام 2009 يتم تكريمه من قبل وزارة الثقافة الى جانب كوكبة من الرواد المسرحيين والممثلين المبدعين.
في عام 2013 وبسبب وضعه الصحي ومعاناته من الفقرات القطنية احمل اليه في منزله قلادة نقابة الفنانين العراقينين تكريماً لما قدمه من عطاء متميز عبر سيرته الفنية وبحضور زملائه القدامى د.عامر الحديثي ود.حكمت داود .
اردد ما سمعت منه ذات مساء مع شيء من التصرف والتغيير:
ياكلون
ويشربون
على
موائدنا
وحينما يغادرون المنزل
ينفثون
سمومهم
وسهامهم
نحونا
يتوقف قلبه عن الخفقان في التاسع من نيسان عام 2020 بعد مسيرة حافلة بالعطاء والابداع.