قصة قصيرة
مدائن الحب
رشيد سكري
الخميسات المغرب
قال مسز براون لزوجته : إن الوسامة تضمحل مع ظهور هذا اللعين .
أجابته الزوجة ، وهي مستلقية على الأريكة : وما غرضك بالوسامة ، وقد شارفت الخمسين
سنة أيها الوغد ؟
الزوج ، وهو يتناول الجريدة اليومية ، ويلقي نظرة خاطفة على العناوين البارزة . قال لي،
بالأمس، الطبيب : إن الميلانين يطرد فحامة الجينات الوراثية ، ويعرضك للبهدلة .
نظرته نظرة شزراء ، وقالت : خذ موعدا مع طبيبة أحسن . فالطبيبات يفهمن في
الخلايا الجذعية أكثر من الأطباء .
اقترب مسز براون من الزوجة ، وظل واقفا بجانب الأريكة ، يصيخ السمع إلى طقطقات شفتيها المكتنزتين . أحقا ما تقولينه يا زكية ؟ !
في الصباح ، على غير عادته ، دلف الحمام ، ووقف أمام المرآة ؛ أشعل ضوء النيون الأبيض ، فهرع يبحث عن هذه الجذور ، التي هجرها السواد . أخذ بلسم مواسترزين وعصره بعنف فوق رأسه ، حتى بدأت رائحته تفوح خارج الحمام .
ـ ما هذه الرائحة يا مسز براون ؟ َبسّم الباب ، وخرج خلسة على أنامل أقدامه ، دون أن
يجيب زوجته .
وجد الممر الضيق في شارع النصر خاويا تماما من المارة ، إلا من عمال النظافة، وصدى هديرهم يتيه بين الأزقة والدروب .اقترب مسز براون من باب عمارة ذات طوابق، وقرأ ،على لوحتها البرونزية المبثوثة في مدخلها ، مايلي : د. ماري فونتين أخصائية في التدليك بالزيوت الطبيعية ... و استئصال زوائد الشيخوخة الظالمة.
انشرحت أسارير وجهه العابس ... فأحس بهوى الشباب ينعش دواخله و يعاوده من جديد . وثب على الرصيف وثبا طفوليا ... عانق فوانيس الشارع في دورات راقصة ، كما يفعل هاري بوتر في " مدرسة الساحرات " ... إنه همس الجنون .
ـ أجمل بعودة الانسان إلى مدائن الصباه ، حيث العبث و الفوضى! ... كان مسز براون خامس إخوته ، قضى طفولته بالقرب من شاطئ فوازييه ، حيث هدير أمواجه لم تفارقه مدة خمس عشرة سنة . هذا البحر الغوير علمه الصمود و التيه في الخلجان . يستطيع ، وبقوة اختراق عجيبة ، أن يربط أواصر مع سياح أجانب ؛ عاشقو الموج و البحر و الشمس والرمال.
شريط أحداث عاوده ، وهو ينتظر في طابور كبير من النساء الأنيقات ؛ الملتحفات في ألبسة الدانتلا الباهضة ، وروائح لبسيكولي الايطالية يعبق بها المكان . طلبت المرأة المبسامة خلف مكتبها الزجاجي المعتم ، لا يظهر منها سوى شعرها الكستنائي المنفوش ، أوراق اعتماد الزيارة لمسز براون ؛ فسجلت اسمه على الحاسوب. ومن ثم رافقته إلى قاعة الانتظار ؛ ممر رخامي و مرمري صاف كالحليب ، يعكس أضواء ليد قوية الإضاءة ، كاشفا نمشا يتقافز على بشرتها القمحية.
ـ تفضل بالجلوس ، سيدي.
ـ شكرا . آنستي .
ـ عندما يفتح هذا الباب ، مشيرة إليه بإصبعها ، سيكون معلنا عن دورك سيدي .
بينما كان مسز براون يتأمل الموناليزا ، ولوحات فان خوخ المشنوقة على جدارات القاعة الملساء . جلس بالقرب منه رجل عجوز ، رأسه مشتعل شيبا . أخذ ألبوما من الصور ؛ وبدأ يتفرس في صور تثرى يشم فيها عبق الشباب . بنصف دورة على الكرسي ، حمل العجوز من الحقيبة مرآة وفرشاة و محلولا ذا لون أسود . فشرع في تخضيب شعره بالسواد. اقترب منه مسز براون في ذهول.
ـ عفوا سيدي ، ما هذا المحلول ؟
ـ فأجابه : إنه آخر قطار إلى مدائن ... الحب.