نقطة ضوء
بغداد.. عندما يهرم القلب؟
محمد صاحب سلطان
أجمل ما تراه العين، هي تلك الأمكنة التي ينبت عشقها في القلب والذاكرة، وملامحها تتجذر في المخيلة،وتنطبع صورتها كعلامة فارقة مثل وشم عصي على التلاشي، وكأنها ما وجدت إلا لإجلنا، هكذا نتصور المدن التي نعشق، والدروب المستفزة لحياتنا، لاسيما تلك التي ترافق طفولتنا سكنا ودراسة، عملا ولهوآ، ملاعب صبا وزهوات شباب وأفق رجولة، ونظرات كهولة.
لذا فإن خطواتنا، دائما ما تسبقنا إليها، كلما ابتعدنا عنها لذلك السبب أو غيره، من تلك التي تدفعنا اليه تجليات الزمن وضيمه، سواء أكان بالاختيار أم بالاضطرار، فهي قادرة على أن تشعل في نفوسنا حرائق من الشوق، لا عن الأمكنة التي بعدت فحسب، وانما للزمن الذي أمسى ماضيا أيضا! بيد أن الذاكرة، تصاب بالارتداد والتصدع، اذا ما عبئت بغير الصورة التي ترسخت فيها، فلكل حجر حكاية، ولكل محلة وزقاق وشارع وشاخص وأيقونة قصة، اذا ما تغير لونها واستبدل موقعها بفعل تغيرات الزمن ومتطلباته، حتى بات بعضهم يؤمن بأن التخيل ما هو الا أداة لبلورة الواقع!.
ولمناسبة إعتماد بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025، وما علمنا من استعدادات تتوائم وتلك المناسبة، والتي نأمل أن تكرس لابراز جمالية بغداد المحفوظة في الذاكرة الجمعية لابنائها وزائريها، من خلال التركيز على المشاريع ذات الصبغة الثقافية والعمرانية المستدامة بتسويق اعلامي محترف، لا أن تعتمد مظاهر البهرجة المؤقتة، ومشاريع اللحظة الواحدة واللقطة السريعة، مجرد لافتات وتلميع جدران باصباغ نافرة كما تعودنا سابقا!، إذ نتمنى لزائرها، أن يتجاوب وعظمة تاريخها العريق، وما إغترفت من جمالها بطون الكتب والروايات، وفيها يستنشق المرء بعمق، أروع وأقدم روائح الحضارة العراقية القديمة متمازجة مع معالم الحضارة العربية الإسلامية بملامح أصيلة، كونها مدينة يحوطها سر العراقة والجمال، وتستجيب لكل إتجاه يوصلها بسرعة الى التغيير العمراني الذي سبق وأن اكتست به حلتها الزاهية.
ومن هذا المنطلق، نجد أن بغداد، ليست فقط شوارع الرشيد والمتنبي وابى نؤاس، برغم أهمية تطويرها والاعتناء بها، بل هي كل الأماكن والمحلات الممثلة بها، في كرخها ورصافتها، والتي تفتقر -للاسف-للنظافة، ناهيك عن تقطع أوصال أغلب بيوتاتها واندثار حدائقها المنزلية، رافقتها شحة الخدمات البلدية، التي تحتاج الى الكثير من الاهتمام، فالمدينة تضم الكثير من المقاهي التراثية والمتاحف والتماثيل والمكتبات والاسواق الشعبية واماكن العبادة والمسارح والمولات والفنادق والمدارس والمعاهد والجامعات، وبرغم الوهن الذي أصابها، ما زالت مدينة باذخة الجمال وساحرة، وهي أكثر المدن إثارة للخيال، وتمثل فسيفساء زاهية الألوان، فهي وبرغم المحن، متصالحة مع نفسها ومع الآخرين، وأجزم، ما من زائز يقترب من حواضرها أو مقيم فيها، إلا ويحبها ويتعلق بجدائل كرامتها وطيبة أهلها واصالتهم، وترسخ في ذاكرته بأحلى صورة، وفي الختام بودي أن أذكر الجميع-مواطنين ومسؤولين -بأن البلدان، تشيخ وتتداعى عندما تهرم قلوبها، وبغداد هي القلب، التي نتمنى لها المعافاة، وعلى الاخيار تمهيد الدروب لإعمال الخير، وذلك عبر حملات كبيرة ومستمرة لا نهاية لها، كي تحل السكينة والطمأنينة محل القلق والهياج الذي ينتاب سكانها، جراء ضعف الخدمات وفوضى الزحام، فهي محتاجة كما يقال إلى قلب حار ورأس بارد!!.