الهويات التائهة .. تشكلت الهوية عندما بدأ
علي حسين الخفاجي
تشكلت الهوية عندما بدأ الإنسان يعي حاجته الضرورية للبقاء على قيد الحياة، إذ لا يمكن أن يستمر دون الإنتماء لجماعة بشرية تساعده على الصيد أو الزراعة. وأنطلق من هنا مفهوم "الهوية الجماعية" التي تصهر ذات الفرد ضمن الجماعة المُتسمة بصفات وخصائص مشتركة تتميز بها عن جماعة أخرى، ولأن الهوية ليست ثابتة فأنها تطورت بحسب الظروف المحيطة بالجماعات لتُشكل بعد ذلك "الدولة" التي عززت من وجود جماعة سياسية ذات أواصر أكثر أرتباطاً وهي "الشعب". ونتيجة للتغيرات السريعة التي شهدها العالم على المستويات السياسية، الإجتماعية، والثقافية. تنامت مشاعر البحث عن الذات بعد الغموض والضبابية التي أكتنفت إدراك الفرد لنفسهِ وسط الصراع ما بين الهوية الجماعية والهوية الشخصية، وعادت بالظهور الى المقدمة نصيحة سقراط "أعرف نفسك بنفسك" لفهم أبعاد الهوية الشخصية التي أكتسحت ميادين الحياة المختلفة. فبالرغم من إستقلال الدول من القوى الإستعمارية الإ أن النعرات الطائفية والعرقية لا تزال محوراً للصراعات الداخلية في المجتمعات حديثة الإستقلال، والسبب يعود الى أن الأفراد في مجتمعات هذهِ الدول هم نتاج "الجماعات" وليسوا نتاج أنفسهم أو ذواتهم حيث تزداد الهوة بين الأفراد لعدم إستيعاب تعدد الهويات الفرعية داخل الفرد الواحد الذي لا يعرف ما هيته؟
فبرزت الظاهرة الإجتماعية الأكثر شيوعاً في القرن الواحد والعشرين وهي "الهوية التائهة"، حيث يجد الفرد نفسه مضطرباً ضائعاً بخصوص هويته الشخصية، شاعراً بعدم الإنتماء لإسرتهِ قبل وطنه ومجتمعه، متأرجحاً بين القيم والعادات بسبب تأثر مجتمعه بالعولمة التي أدت لتداخل الثقافات. مما يجعل الفرد مُقدماً على التخلي عن قيمه وتقاليده باحثاً عن القبول والإستقرار حتى لو تطلب الأمر تقليد الأخرين، وهذا الشعور بالتمزق يدفعه لتغيير الانماط الحياتية على المستوى الشخصي أو العام للتوجه نحو الإستقلالية المفرطة تاركاً بذلك أثراً سلبياً على حياته وعلى المجتمع أجمع. فإزاحة الحدود الثقافية التقليدية تُنذر بفقدان الهوية التي ستمثل تحدياً كبيراً يواجه المجتمع بأكمله، الإ أن إعادة أكتشاف الذات بشكل أعمق من قبل كل فرد يمكن أن تحقق التوازن بين القيم الداخلية ومتطلبات العصرنة، مما يجعل رحلة التفكر بالقيم، والأهداف، والإهتمامات لكل فرد مثيرة ومستمرة بشغف الوجود لا بعيش التيه المظلم.