مبدأ عدم الإعادة القسرية.. القيمة المضافة في سياسات هجرة العوّدة
وليم وردا
منذ أكثر من ثمان سنوات اعمل على دراسات وموضوعات الهجرة واللجوء والعودة كإحدى الأمور التي تهم احترام حقوق الإنسان وتقوم بمراقبة السياسات والممارسات المتبعة في حوكمة الهجرة والعودة على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، وأبحث في تداعياتها وملابساتها، كما اراقب عن كثب سياسات العراق إزاء اللاجئين في العراق وكذلك ملف عودة اللاجئين العراقيين وسياسات الاستقبال والقبول وإعادة الإندماج ،ويأتي ذلك بحكم مسؤوليتي مديرا للعلاقات العامة في منظمة حمورابي لحقوق الانسان .
ومن الموضوعات التي أرى اهمية الوقوف عندها مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي بدأت بعض الدول تتحجج به أو تلتف عليه وفق مصالحها وسياساتها إزاء الهجرة واللجوء متجاوزة معايير حقوق الإنسان باستخدام طرق ذكية للتملص منه عن طريق استخدام الإعادة القسرية بعد إلباسها بلباس العودة الطوعية.
حقوق الانسان
وحيث أن معايير حقوق الانسان تعد قيماً عليا سامية تهدف الى حماية الكرامة الإنسانية يفترض ان تطبق دون تمييز وان يكون هدفها الأول حماية الضحايا، وكما ان معايير حقوق الانسان ليست فقط ضمن مستودع اتفاقيات الأمم المتحدة الفكري لحقوق الانسان واتفاقياتها الرئيسية بل ان حقوق الانسان كانت وما زالت ركناً أساسياً من اركان بناء منظومة الأمم المتحدة. واذا كانت الأمم المتحدة قد أنشئت بعد معاناة العالم نتيجة الحرب العالمية الثانية وصممت لكي تكون أداة فاعلة لحماية الكرامة الإنسانية ومنع الحروب ومواجهتها فان الاختبار الأكبر كان مواجهة موجات اللاجئين والنازحين نتيجة ويلات الحرب.
وعند اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام (1951)، كان من بين نصوصها المادة (33) منها التي وضعت معالم مبدأ عدم الإعادة القسرية لطالبي اللجوء للأسباب التي جاءت بها تلك المادة والتي أصبحت بحكم تواتر الاستخدام وعدم الاعتراض عليها، عرفا دولية قلل من إمكانية التهرب من الانضمام اليها. لقد اصبح للحق في عدم التعرض للإعادة القسرية تطبيقات واسعة في اطار الاتفاقيات المعنية بحقوق الانسان مثل اتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ووضعت له شروط واضحة جديدة في اطار الاتفاقيتين انفاً، بالشكل الذي يقيد من سلطات الدول في استخدام حقها السيادي في الطرد او الابعاد او التسليم في وضع يكون فيه احتمال تعرض الشخص لانتهاكات معينة وارد ومبني على أسس حقيقية.
ولعل من المفارقة اليوم ان نجد ان الدولة نفسها تحتج امام الدول الأخرى بمبدأ عدم الإعادة القسرية عندما تحاول تلك الدول إعادة احد مواطني تلك الدولة او عدد منهم، فالحق هو حق للأفراد أولاً، ولا يتصور ان تقول الدولة عن نفسها او وضعها الأمني او القضائي او الحياة العامة فيها يمكن أن يتعرض فيها ذلك الشخص لانتهاكات من نوع معين وتشوه تلك الدولة سمعتها دولياً، وهو ما كانت تقوم به دولتنا العراق إبان انتشار الإرهاب في مناطق متفرقة من البلاد وإبان تصاعد الطائفية خلال الأعوام (2006-2008)، إذ كانت تتحجج بها لدى الدول الأخرى لقيامهم بإعادة المواطنين العراقيين قسراً إلى العراق.
إن حجم المفارقة يزداد وعدد التساؤلات يتضاعف عندما يستخدم المبدأ بازدواجية المعايير، ففي الوقت الذي كان فيه العراق يتحجج بإعادة العراقيين اللاجئين من دول الغرب قسراً، مارس الإعادة القسرية لعدد من اللاجئين السوريين إبان نظام الأسد، ومؤخراً عندما قام بتسليم لاجئ كويتي إلى السلطات الكويتية مخالفاً بذلك المواد القانونية والدستورية العراقية، حيث نصّت الفقرة ثانياً في المادة (22) من الدستور العراقي على عدم تسليم اللاجئ السياسي إلى سلطة أجنبية أو التسليم القسري لسلطة البلد الذي فر منه.
دوائر مختصة
ويؤكد قانون اللاجئين السياسيين رقم (51) لسنة (1971) في مادته الرابعة، يحظر تسليم اللاجئ إلى دولته بأي حال من الأحوال، وعند رفض طلب شخص بشأن قبول لجوئه إلى العراق يجوز إبعاده إلى دولة غير دولته حسب تنسيب الدوائر المختصة وبموافقة الوزير.
ان دور الدولة الأول هو احتضان مواطنيها في مختلف الظروف وحمايتهم، وهي في هذا السياق إما أن تستقبل او ان تمتنع بحجة حماية حقوق الأشخاص المخطط لإبعادهم اليها من خلال التعريف بحقهم في عدم الإعادة القسرية والطعن بإجراءات الإبعاد، لا ان تحاول نقل صورة ليست مناسبة عن واقعها الأمني والسياسي. ومن النادر بمكان ان تقدم دولة مثل هذا التوضيح أو الرد. في سياق آخر، إن تعارض مصلحة الدولة في احترام قوانينها ومواطنيها مع مصلحة الفرد في البقاء في دول المهجر، لا يعني ان احدهما على خطأ، إنما يعني ان كل منهما يمارس دوره في حماية مصالحه القانونية. وعلى هذا الأساس فإن تدخل الدولة في حماية مواطنيها لا يعني تشويه صورتها دولياً ونقل معلومات (صحيحة او غير صحيحة) للخارج للامتناع عن استقبال مواطنيها، فمبدأ عدم الإعادة القسرية يُحتج به تجاه الدولة التي تريد ان تبعد المهاجر او اللاجيء او غيره من الفئات، وليس من قبل الدولة التي تستقبله، فاستقبال المواطن المبعد هو واجب، و يمكن لدولة الأصل ان تساهم في حماية مواطنيها في الخارج (إذا طلبوا تلك الحماية) من خلال نشر الثقافة وإنهاء الأسباب التي تدعو المواطن للهجرة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لمتابعة حالة ذلك الشخص او مجموعة الأشخاص.
وأخيراً علينا ان نتحلى بالمعرفة التفصيلية للقانون الدولي في كل مجالات العمل، لفهم المغزى من وضع مثل تلك النصوص في الاتفاقيات الدولية وان لا تكون سلطاتنا أداة للصراع انما وسيلة للحوار البناء، وقد يحظى المبدأ باهتمام في مناسبات عديدة لتطوير المفاهيم القانونية الوطنية والحد من انتهاكه دولياً.