الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬‭(‬1‭)‬

بواسطة azzaman

اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬‭(‬1‭)‬

حسن النواب

 

أدرك‭ ‬جيداً‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬الذي‭ ‬سأنشره‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬حلقات؛‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬كثيرة‭ ‬نحوي،‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬أعنيهم‭ ‬سيلوذون‭ ‬بصمت‭ ‬مهزوم؛‭ ‬لأني‭ ‬سألقم‭ ‬أفواههم‭ ‬بحجر‭ ‬صادق‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليه،‭ ‬مادام‭ ‬شهود‭ ‬العيان‭ ‬من‭ ‬النبلاء‭ ‬مازالوا‭ ‬يتنفسون‭ ‬هواء‭ ‬الإبداع‭ ‬والحياة‭. ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشهر‭ ‬البعض‭ ‬أقلامهم‭ ‬على‭ ‬صعلوك‭ ‬مثلي؛‭ ‬عليهم‭ ‬بالتريث‭ ‬قليلاً‭ ‬حتى‭ ‬أفرغ‭ ‬من‭ ‬نزف‭ ‬أوجاعي‭ ‬وأبثُّ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬من‭ ‬جنون‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬تضاهي‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يعرفونها‭ ‬ويطمرونها‭ ‬لمصالح‭ ‬ومنافع‭ ‬رثَّةٍ‭ ‬أصبحتْ‭ ‬مكشوفة‭ ‬حتى‭ ‬للبصير،‭ ‬ولهم‭ ‬الحق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنْ‭ ‬يصلبوني‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬وأموت‭ ‬رجماً‭ ‬بكؤوس‭ ‬الخمر‭ ‬الفارغة؛‭ ‬مثلما‭ ‬تفعل‭ ‬دولة‭ ‬مجاورة‭ ‬لنا‭ ‬حين‭ ‬ترجم‭ ‬بالحجارة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬طاعتها‭ ‬وتمرد‭ ‬على‭ ‬زيفها‭ ‬حتى‭ ‬يهلك‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭. ‬كان‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬ومازال‭ ‬معبداً‭ ‬مقدَّساً‭ ‬تقودني‭ ‬أماسية‭ ‬الساحرة‭ ‬وسجالي‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ليلةٍ‭ ‬إلى‭ ‬التحليق‭ ‬نحو‭ ‬فردوس‭ ‬السماوات‭ ‬بدون‭ ‬مراسيم‭ ‬دينية؛‭ ‬ولذا‭ ‬عندما‭ ‬وطأت‭ ‬قدمي‭ ‬أوَّل‭ ‬مرَّة‭ ‬عتبة‭ ‬بابه‭ ‬المقدَّسة‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينيات‭ ‬وجفَ‭ ‬قلبي‭ ‬وارتجف‭ ‬بدني‭ ‬وتعرَّقَ‭ ‬جبيني؛‭ ‬ولما‭ ‬دخلت‭ ‬إلى‭ ‬قاعته‭ ‬كاد‭ ‬يُغمى‭ ‬عليَّ،‭ ‬لأني‭ ‬أبصرتُ‭ ‬كوكبة‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬والفنانين‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬الكراسي‭ ‬المتواضعة،‭ ‬رأيتُ‭ ‬علي‭ ‬جواد‭ ‬الطاهر،‭ ‬ورشدي‭ ‬العامل‭ ‬بطاقيته‭ ‬الروسية‭ ‬الجميلة،‭ ‬وحسب‭ ‬الشيخ‭ ‬جعفر‭ ‬ويوسف‭ ‬الصائغ‭ ‬وموسى‭ ‬كريدي‭ ‬وخالد‭ ‬علي‭ ‬مصطفى‭ ‬وأحمد‭ ‬خلف‭ ‬وحاتم‭ ‬الصكر‭ ‬ومحمد‭ ‬خضير‭ ‬ومحمود‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬قد‭ ‬جاءا‭ ‬من‭ ‬ثغر‭ ‬الجنوب،‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬الخفاجي‭ ‬وعلي‭ ‬الحلي،‭ ‬وعلي‭ ‬جعفر‭ ‬العلاق‭ ‬وثابت‭ ‬الآلوسي‭ ‬وعبد‭ ‬الجبار‭ ‬داود‭ ‬البصري‭ ‬ويوسف‭ ‬نمر‭ ‬ذياب،‭ ‬وعريان‭ ‬السيد‭ ‬خلف،‭ ‬وياسين‭ ‬النصير،‭ ‬وفاضل‭ ‬ثامر،‭ ‬وعناد‭ ‬غزوان‭ ‬وعبد‭ ‬الجبار‭ ‬عباس‭ ‬ومحسن‭ ‬جاسم‭ ‬الموسوي،‭ ‬وطراد‭ ‬الكبيسي،‭ ‬وحميد‭ ‬سعيد،‭ ‬وفهد‭ ‬الأسدي،‭ ‬ومحسن‭ ‬اطميش،‭ ‬ورافع‭ ‬الناصري،‭ ‬وشوكت‭ ‬الربيعي،‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬مجيد‭ ‬الربيعي‭ ‬وعبد‭ ‬الستار‭ ‬ناصر‭ ‬وعبد‭ ‬الاله‭ ‬الصائغ‭ ‬وعبد‭ ‬الرضا‭ ‬علي‭ ‬وقاسم‭ ‬محمد‭ ‬وخليل‭ ‬شوقي‭ ‬ويوسف‭ ‬العاني‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الكواكب‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬ساطعة‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬ذاكرتي،‭ ‬فارتبكت‭ ‬تماماً؛‭ ‬ولم‭ ‬أصدق‭ ‬أني‭ ‬أجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬بينهم؛‭ ‬ولما‭ ‬سمعت‭ ‬صوت‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬يقرأ‭ ‬قصيدة‭ ‬عن‭ ‬غرفة‭ ‬يحيى‭ ‬جواد‭ ‬بصوته‭ ‬المشحون‭ ‬بالوداعة‭ ‬والشجن‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬كادت‭ ‬دموعي‭ ‬تسيل‭ ‬على‭ ‬خدي،‭ ‬وشعرتُ‭ ‬بهيبة‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬دخلت‭ ‬إليه،‭ ‬بل‭ ‬خلتُ‭ ‬أنَّ‭ ‬أحداً‭ ‬سيقبلُ‭ ‬نحوي‭ ‬ويخرجني‭ ‬من‭ ‬المكان،‭ ‬لأني‭ ‬من‭ ‬أكون‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الكوكبة‭ ‬المضيئة‭ ‬بالإبداع،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬دخول‭ ‬نادي‭ ‬الأدباء‭ ‬مستحيلاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت؛‭ ‬مالم‭ ‬تكن‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬سوى‭ ‬حانة‭ ‬رخيصة‭ ‬ومعزولة‭ ‬في‭ ‬الباب‭ ‬الشرقي‭ ‬لأمضي‭ ‬بها‭ ‬سهرتي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات‭ ‬بعد‭ ‬تبخّر‭ ‬الجبهة‭ ‬الوطنية‭ ‬برمشة‭ ‬عين‭ ‬وضياع‭ ‬أحلامنا‭ ‬نحن‭ ‬الفتيان‭ ‬الذين‭ ‬أغرمنا‭ ‬بالراية‭ ‬الحمراء،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬أعجبني‭ ‬أنَّ‭ ‬رشدي‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مقاعد‭ ‬القاعة،‭ ‬ظلَّ‭ ‬يعتمر‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬قبعة‭ ‬تروتسكي‭ ‬ذلك‭ ‬المناضل‭ ‬النبيل‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تضحيته‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬تغازل‭ ‬تضحية‭ ‬الأمام‭ ‬الحسين‭ ‬ع‭  ‬في‭ ‬كربلاء‭. ‬كأنَّ‭ ‬رشدي‭ ‬العامل‭ ‬بحرصه‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬القبعة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬رأسه؛‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬لزمرة‭ ‬‬الأجلاف‭ ‬مازلنا‭ ‬هنا؛‭ ‬ومضت‭ ‬السنوات‭ ‬حتى‭ ‬اشتعلت‭ ‬الحرب،‭ ‬لأعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المرَّة‭ ‬بشفاعة‭ ‬القاص‭ ‬فهد‭ ‬الأسدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمتُّ‭ ‬لي‭ ‬بصلة‭ ‬قربى‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أخيه‭ ‬أنيس‭ ‬المقترن‭ ‬بأختي‭ ‬التي‭ ‬رحلت‭ ‬معهما‭ ‬إلى‭ ‬سماوات‭ ‬الله،‭ ‬ربما‭ ‬يقول‭ ‬بعض‭ ‬الحاسدين‭ ‬والناقمين‭ ‬الآن‭: ‬تبَّاً‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬فهد؛‭ ‬لأنك‭ ‬جئت‭ ‬لنا‭ ‬بكائنٍ‭ ‬لا‭ ‬يحتملهُ‭ ‬الصدق‭ ‬نفسه؛‭ ‬وجلست‭ ‬مع‭ ‬رشدي‭ ‬العامل‭ ‬وياسين‭ ‬النصير‭ ‬وتوفيق‭ ‬الخياط‭ ‬ويوسف‭ ‬الحيدري‭ ‬القاص‭ ‬الكردي‭ ‬الجميل‭ ‬وحسين‭ ‬الحسيني‭ ‬بنظارته‭ ‬السوداء‭ ‬وقلبه‭ ‬الأبيض‭ ‬وحقيبته‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الملآى‭ ‬بما‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بالك‭ ‬لحظة‭ ‬سُكر،‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجلسة‭ ‬أضعُ‭ ‬قصائد‭ ‬مرتبكة‭ ‬في‭ ‬جيبي،‭ ‬ولما‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬فهد‭ ‬أنْ‭ ‬يعرضها‭ ‬على‭ ‬رشدي‭ ‬العامل،‭ ‬ليقرأها‭ ‬بأناةٍ‭ ‬وبمتعة‭ ‬شاعر‭ ‬ثمل؛‭ ‬وحين‭ ‬فرغ‭ ‬منها‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أنساهُ‭ ‬أبداً‭: – ‬هذه‭ ‬قصائد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عمرك؛‭ ‬لكنها‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬إلى‭ ‬تجويد‭. ‬

وهتفَ‭ ‬بلطفٍ‭ ‬على‭ ‬غلام‭ ‬الحانة‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬له‭ ‬بمزيدٍ‭ ‬من‭ ‬الخمر‭. ‬لم‭ ‬أصدق‭ ‬أنَّ‭ ‬رشدي‭ ‬العامل‭ ‬قرأ‭ ‬خزعبلاتي‭ ‬وهلوساتي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬فتركتُ‭ ‬المائدة‭ ‬أشبه‭ ‬بالمخبول؛‭ ‬ولما‭ ‬استمر‭ ‬قدومي‭ ‬إلى‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إجازة‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬كنتُ‭ ‬انتظر‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الاستعلامات‭ ‬حتى‭ ‬يحضر‭ ‬القاص‭ ‬فهد‭ ‬الأسدي‭ ‬وأدخل‭ ‬بصحبته‭ ‬كضيف‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬الأدباء‭. ‬صار‭ ‬ديدني‭ ‬كلما‭ ‬هبطتُ‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬النار‭ ‬زيارة‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء،‭ ‬والأدق‭ ‬هو‭ ‬حلمي‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬ناديه‭ ‬بمفردي،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلَّب‭ ‬أنْ‭ ‬أكون‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬أشبه‭ ‬بالمستحيل؛‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحيلاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬

يتبع‭…‬


مشاهدات 53
الكاتب حسن النواب
أضيف 2025/01/20 - 1:19 PM
آخر تحديث 2025/01/20 - 5:17 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 361 الشهر 9310 الكلي 10199275
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير