الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
واجبات الشعب العراقي تجاه الإقليم: تلاحمٌ ضد التمزق

بواسطة azzaman

واجبات الشعب العراقي تجاه الإقليم: تلاحمٌ ضد التمزق

شيرزاد نايف

 

تُعد العلاقة بين العرب والكورد في العراق، في سياقها الحالي، من أعمق العلاقات وأكثرها تعقيدًا في النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة. فهي ليست مجرد تقاطع عرقي أو جغرافي، بل هي حكاية تاريخية تشهد على صراع طويل مع القهر والعنف، وعلاقة ذات طابع إنساني يفيض بالحكمة والمصالحة. وإن كان العراق قد شهد الكثير من الصراعات بين مكوناتها المختلفة، فإن الشعب العربي العراقي يُعتبر الأكثر قدرة على تجسيد معاني التعايش مع الكورد، رغم المآسي التي سببتها حقب مظلمة تحت حكم الأنظمة الدكتاتورية، وخصوصًا في ظل نظام البعث البائد. لكن، على الرغم من كل ذلك، لا تزال هذه العلاقة تُجسد فكرة القدرة على التجاوز والتصالح في إطار السعي المستمر إلى العدالة، وهو ما يبرز جوهر الفلسفة الإنسانية ذاتها.

في الأبعاد الفكرية لهذه العلاقة، نرى أن الكورد في العراق لم يختاروا العيش مع العرب فقط بدافع الجغرافيا أو الضرورة، بل كان ذلك خيارًا سياسيًا واجتماعيًا، يرسم ملامح التفاهم والتعاون في إطار الانتماء المشترك إلى وطن موحد. إلا أن هذه العلاقات لم تخلُ من الظلم والقمع، فحتى في ظل الحكم البعثي، كانت المجازر والمعاناة، كعملية الأنفال والهجمات الكيميائية، تُمَارَس بصمت وكتمان في محاولة لطمس الحقيقة. لكن مع تدفق العصور على إيقاع تقنيات الإعلام الحديثة، أضحى العالم قادرًا على استكشاف خبايا تلك الحقائق التي كانت مغيبة عن الأنظار، مُتيحًا للفرد العراقي، من كافة القوميات والطوائف، الفرصة لرؤية الواقع كما هو، بوضوحٍ وجلاء.

وإن تطور هذه الرؤية التاريخية لدى العديد من العراقيين، بعد أن تحرروا من قبضة الأنظمة القمعية وفتحوا أعينهم على العالم عبر السفر والاحتكاك بالشعوب الأخرى، هو الذي جعلهم يكتشفون تلك الحقيقة المرة التي عاشها الكورد في سنوات الاستبداد. هذه الحقائق أكدت لهم أهمية التضامن والتفاهم بين مكونات الشعب العراقي، وألهمتهم مشاعر الرحمة والتعاطف تجاه إخوتهم الكورد الذين تكبدوا معاناةً لا يمكن تصوّر فظاعتها في الماضي.

ومع كل هذا، لا يزال الحاضر يحمل لنا مشهدًا محزنًا من التوتر، حيث يعاني الشعب الكردي اليوم من محاولات تجويع وقطع الرواتب من قبل الحكومة المركزية، التي تتذرع بحججٍ اقتصادية وسياسية، تُدار وفقًا لأجندات خارجية تهدف إلى إضعاف العراق وتعميق فرقه. هذا الواقع يعكس، دون شك، بؤس الفساد المستشري في أروقة الحكومة، التي أصبحت رهينة لتوجهات أجنبية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب تماسك الشعب العراقي.

من هذا المنطلق، يجب على الشعب العربي العراقي أن يتبنى مواقف من التضامن الجاد مع إخوانهم الكورد، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: "لا يُؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه". إن الدفاع عن حقوق الكورد المشروعة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو مبدأ يضرب جذوره في مفهوم العدالة والحرية. التاريخ يشهد على أن الكورد والعرب قد ناضلوا معًا في مواجهة الأنظمة القمعية، مثلما حدث في ثورة أيلول الكبرى، التي شكلت محطة مشرفة شهدت مشاركة العديد من المناضلين العرب الذين وقفوا إلى جانب الكورد في محنتهم.

إن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر يردد في قوله: "الحرية لا يمكن أن تُعطى، بل يجب أن تُنتزع"، وهو قول ينطوي على دعوة واضحة لكل فرد في المجتمع العربي العراقي للوقوف بجانب الحق، جنبًا إلى جنب مع إخوانهم الكورد. وفي ذات السياق، يُشدد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط على أن "الإنسانية هي الشرط الأساسي للسلام". هذه الكلمات تبرز حقيقة مفادها أن التعاون بين العرب والكورد ليس فقط ضرورة سياسية، بل هو أيضًا نداء لعودة القيم الإنسانية، لبناء عراق موحد، يسوده العدل والمساواة.

إننا، كشعب كردي عراقي، نؤمن أن التضافر بين الجهود العربية والكردية هو السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق المشروعة، ولا شك أن تاريخنا المشترك يروي لنا قصصًا عن المعارك التي خضناها معًا ضد الظلم. وعلى هذا الأساس، فإن الفجر الجديد الذي نسعى إليه يجب أن يكون فجرًا من التآخي والمصالحة، وأن نبني عراقًا حرًا يضع الإنسان في مكانه الذي يليق به.

 

 


مشاهدات 143
الكاتب شيرزاد نايف
أضيف 2025/01/20 - 12:22 AM
آخر تحديث 2025/01/20 - 2:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 317 الشهر 9266 الكلي 10199231
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير