قراءة في كتاب مفاتيح الحكم في العراق " دراسة سوسيولوجية في إعادة بناء الشخصية العراقية " للأستاذ الدكتور خالد حمزة المعيني
أحمد السامرائي
يمثل كتاب "مفاتيح الحكم في العراق" دراسة سوسيولوجية في إعادة بناء الشخصية العراقية للأستاذ الدكتور خالد حمزة المعيني دراسة عميقة جداً لمسار الحكم في العراق منذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا وكما يقول الدكتورالمعيني بحضاراته المتعددة والعميقة والضاربة جذورها عمق التاريخ وبالكمالهائل من الثروات في باطن الأرض وظاهرها وبتنوعه الديني والثقافيوالقومي جعل من حكم هذه البلاد امراً في غاية الصعوبة والذي جاء بسبعفصول بدءاً من العصور القديمة وتحديد بعض المبادئ لحركة الشعوب وصولاً إلى التحديات المعاصرة ويقدم الكتاب تحليلاً دقيقاً للعوامل التي شكلتالنظام السياسي العراقي وفن إدارة الدولة مبيناً سيكولوجيا الشعبالعراقي وطبيعته وشخصيته متطرقاً إلى زخم حضارة وادي الرافدين فيميادين الكتابة والموسيقى والقانون وانظمة الري وتنظيم أول شكل منأشكال الدولة والتمدن ويسلط الضوء على مزايا العراقيين القدامى معتبراً العراق قلب الحضارة العربية والإسلامية ووصولاً إلى العهد الملكي الذياتسم بفسحة من الاستقرار ذاكراً أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً حاسماً في صنع القرار السياسي لنظام الحكم .
أهم النقاط التي يغطيها الكتاب :
* التجربة التاريخية : يبدأ الكتاب بتتبع جذور الحكم بالعراق مع التركيزعلى الحضارات القديمة مثل السومرية والبابلية والأشورية وكيف شكلت هذهالحضارات أسس الدولة والمجتمع العراقي مفرقاً مابين مفاهيم الشعبوالجماهير والدولة والأمة ومابين الثورة والانتفاضة والانقلاب والتمردوالعصيان ، معتبراً الشعب كائن عضوي يتشكل بتراكم مادي ومعنويتاريخياً وهو مثل الكائنات العضوية الأخرى لايمكن ان يتغير إلا بواسطةالتراكمات الوراثية البطيئة .
* العوامل المؤثرة : يحلل الكتاب العوامل المختلفة التي أثرت على النظامالسياسي العراقي مثل الجغرافيا والتنوع العرقي والمذهبي وتحليل شخصيةالفرد وأثرها على المجتمع والتدخلات الخارجية التي أثرت على السياسةالداخلية لنظام الحكم .
*سيكولوجيا الشعب العراقي : يرى الكاتب ان ظروف بيئية وطبيعة في واديالرافدين نتجت عن طريق تبدلات الطقس الحادة وغضب الطبيعة والعواصفوالأعاصير وكثرة تغير مجرى المياه وحجم الكوارث والفيضانات التي تدمردفعت العراقي إلى التكيف دائماً والديناميكية ودعم الاستقرار وجعلتهمتحفز لإعادة البناء والقدرة على الإنجاز وسط الأخطار مبيناً ذلك امراً طبيعي لأن كل شعب له طبيعته وشخصيته الناجمة عن بيئته ومناخه وتراكمتاريخه مما يشكل جوهر ومعدن الشخصية الحقيقي معتبراً الخوض فيأعماق الشخصية العراقية موضوع مركب وشائك .
* الشخصيات المؤثرة : وسلط الكاتب الضوء على العراقيون بعد ان لعبالعراق دوراً مهماً ومحورياً عن طريق خزينه البشري وقاعدته المادية وموقعهالحيوي وتناول الكثير من الشخصيات الدينية الوتاريخية البارزة ذاكراً الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه خليفة المسلمين الرابع وكيف انتقلإلى الكوفة التي أصبحت مركزاً ثقافياً وفكرياً وعسكرياً وسياسياً وتجارياً متطرقاً إلى ما فعله الخوارج الذين شكل تمردهم وعصيانهم الخطر الداخليالمستديم في خاصرة أي نظام للحيلولة دون توطيد أركان دولة الإسلامالمنشودة ، كما أورد الحديث عن الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراقطيلة عشرين عاماً واهتمامه بتحقيق الأمن كأولوية أولى وعده الأساس المتينالذي تبنى عليه فيما بعد جميع الإنجازات الاقتصادية والتجارية وبينتفاصيل المفاتيح الذهبية التي سلكها بتحقيق الأمن والاستقرار في العراقوالتي تمثلت بالقضاء والشرطة وتنظيم الجند ( الجيش ) .
* التحديات المعاصرة : يتناول الكتاب التحديات التي يواجهها العراق فيالوقت الحاضر مثل الإرهاب والفساد بكافة أشكاله والإنقسامات الطائفيةوالمحاصصة السياسية ويقدم مقترحات لحل هذه المشكلات من خلالالمفاتيح الرئيسية أولها نظرية السيف والصينية وكيفية الناجح بفرض الأمنوالنظام وهيبة الدولة واحترامها بإتباع أسلوب ( القوة العادلة ) ، والعدالةواستقلال القضاء ودعم تلوث أدواته ومباشرته لوظائفه من دون تدخل أوضغط أو تأثير السلطات الأخرى بعمله ، وتأكيده على ضرورات الدولةالقانونية والمدنية وقدرة العراقيين على تشريع القوانين التي تتوغل بجميعمفاصل حياتهم وضبط إيقاعها وإدارة التنوع والتعايش السلمي الذي يشكلسر استقرار وتوازن معادلة حكمه في الحقب المزدهرة من تاريخه ، مشيراً إلى حدود الدين وإدارة الدولة وفك الاشتباك بينهما يفتح آفاق التقدم إلىالأمام لغرض اللحاق بركب الإنسانية وقوانين العصر الحديث ، عارضاً دورالديمقراطية المقننة مقدماً نموذجين لمدرستان شائعتان في هذا الشأنإحداهما تؤمن ان الانتخاب حق شخصي يقوم على أساس مبدأ ( سيادةالشعب ) إذا توزع السيادة على جميع أفراد الشعب والأخرى تؤمن انالانتخاب واجب وتعتمد على مبدأ ( سيادة الأمة ) منفصلة عن الأفراد وتتيحبذلك تحديد الشرائح المؤهلة للقيام بمهمة خطيرة لانتخاب من يحكم الدولة .
الملك فيصل الأول والعراقيون : واستحضر العهد الملكي وكيف اتسم العراقبفسحة من الاستقرار والهدوء النسبي الذي بلور نواة الدولة العراقية الحديثةبعد قرون من التخلف والانحطاط السياسي والاقتصادي والاجتماعيفظهرت مدارس التعليم بدل أسلوب الكتاتيب وتأسيس معاهد لتخريجالمعلمين وتطور الصحافة المطبوعة وتشكيل جيش وطني قوي لأول مرةوانطلاق نهضة صناعية جديدة شكلت لاحقاً البنية التحتية للصناعاتالوطنية وبدأت ملامح حرية سياسية عن طريق التعددية الحزبية وانتشارالصحف وكان العراق حسب رأي الكاتب قد خطت خطوات متقدمة وقوية فيهذه الحقبة الزمنية القصيرة حتى اصبح بمقدمة دول الجوار كما هواستحقاقه دائماً موضحاً ان الملك فيصل الأول اعتمد للخروج من التخلفوالفوضى على محورين متوازيين الأول : امتلاك مقومات القوة المادية الصلبة، والثاني : السعي بصبر وترو لتغيير وعي الناس وزرع الروح والهويةالوطنية الجامعة .
أهمية الكتاب :
* مرجع أساسي : يعتبر الكتاب مرجعاً أساسياً للباحثين والدارسينالمهتمين بتاريخ العراق وسياسته وانظمة ألحكم التي تعاقبت على قيادةالعراق .
* تحليل عميق : يقدم الكتاب تحليلاً عميقاً وشاملاً للمسار التاريخي للعراقمما يساعد على فهم الأوضاع السياسية الراهنة .
* مقترحات عملية : يقدم الكتاب مقترحات عملية لحل التحديات التييواجهها العراق مما يجعله وثيقة قيمة لصناع القرار السياسي .
أهم النقاط في الكتاب :
* الأسلوب السهل : يتميز الكتاب بأسلوب سهل ومبسط مما يجعله مفهوماً للقارئ غير المتخصص .
* الوثائق التاريخية : يستند الكتاب إلى مصادر تاريخية موثوقة ومعتمدةمما يزيد من مصداقيته في ما تضمنه من معلومات عن تاريخ العراق .
* الشمولية : يغطي الكتاب فترة زمنية طويلة جداً متناولاً جوانب متعددة منالحياة السياسية العراقية .
* التعمق في بعض القضايا : الكتاب تعمق في القضايا المعقدة وبسطهابشكل واضح مثل العلاقة بين الدين والسياسة في العراق .
* التحديث : من الواضح ان المولف حقق نجاحاً كبيراً حيث يمكنه تحديثالكتاب لينطوي على أحدث التطورات في الساحة العراقية لأي عمليةسياسية تقوم على حكم العراق .
الخلاصة كتاب "مفاتيح الحكم في العراق" يمثل إضافة نوعية فريده مننوعها ويقدم قيمة كبيرة للأدب والفكر السياسي العربي ولكل من يريد العملعلى تحقيق أهداف قيادية جديدة برؤية وطنية شاملة فهو إنجاز يعطيصورة واضحة وقراءة نقدية لمسار حكم العراق من الماضي إلى الحاضرليرسم خريطة المستقبل ويبين المفاتيح الرئيسية والثانوية للدولة القانونية ، ادعوا السياسيين والمهتمين بهذا الشأن إلى قراءة هذا الكتاب فسوفيساعدهم على فهم الواقع السياسي العراقي متعرفين على عناصره الرخوةوالنقاط المضيئة التي شكل فيها معلماً حضارياً عالمياً أمتد لمجاله الحيويومركزه الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعل العراقيين ملوك الجهات الأربعة .