أولويات تحقيق البرامج الحكومية
احمد فكاك البدراني
استراتيجية الأمن الوطني يشكل دعامة أساسية للهوية الوطنية والشعور بالإنتماء.
يُعدُّ الأمن الوطني من المرتكزات الأساسية التي تبنى عليها الدول استقرارها وتقدمها لانها تحقق الاستقرار الذي يبنى عليه كل شيئ.
وهو لا يقتصر على المعنى الضيق المرتبط بالأمن العسكري أو قوة الشرطة ، بل يشمل أبعادًا متعددة ، منها سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وحتى سيبرانية.
إن تحقيق الأمن بمفهومه الشامل لا يؤدي فقط إلى شعور المواطن بالطمأنينة على نفسه وماله واهله ، بل يعزز إحساسه بالانتماء ، ويسهم في ترسيخ الهوية الوطنية واقعاً ملموساً ، وهذا يمنح الحكومة بيئة مستقرة تمكّنها من تنفيذ برامجها التنموية بكفاءة وفعالية.
أولاً - الأمن كركيزة للانتماء الوطني :
شعور المواطن بالأمن هو الخطوة الأولى نحو انتمائه الحقيقي لوطنه ، فالإنسان لا يستطيع أن يشعر بالولاء لوطن لا يشعر فيه بالأمان على نفسه ، وعائلته ، وأمواله ومستقبله. في بيئة يسودها الأمن ، تتراجع دوافع الهجرة اولاً ثم التمرد أو الغضب الجمعي او المظاهرات الشعبية ، ويزداد استعداد الفرد للعطاء والتضحية من أجل الوطن. وعلى النقيض ، فإن انعدام الأمن يولد الغربة النفسية داخل حدود الوطن ، ويفتح المجال للتطرف أو السلبية أو الانعزال ، مما قد يؤدي الى العزلة كالعزوف عن المشاركة في الانتخابات وهذه ابسط الصور ، وقد تتــــــــــصاعد لتصل إلى الموت اختياراً ( الموت الفردي كالانتــــــــــحار ) او الموت الجماعي كالثورة ، فعندما يرى الانسان انه غريب في وطنه وان الابواب جميعها مؤصدة بوجهه لا يبقى أمامه إلا فتحها بالقوة .
دراسات نفسية
تُظهر الدراسات النفسية أن الشعور بالطمأنينة والأمان يرفع منسوب الثقة بين المواطن والدولة ، ويحقق رابطة وجدانية تُترجم في صور كثيرة ، كالمشاركة السياسية ، واحترام القانون ، والاعتزاز بالهوية الوطنية.
ثانيًا: الأمن ودوره في بناء الهوية الوطنية :
الهوية الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع ، بل هي بناء متكامل يتشكل من اللغات ، والثقافات ، والتاريخ المشترك ، والمبادئ التي يتفق عليها أفراد المجتمع. ولأن بناء الهوية عملية تراكمية ، فهي بحاجة إلى بيئة مستقرة وآمنة تتيح التفاعل الاجتماعي ، والانخراط في المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية ، وتضمن حرية التعبير والانتماء دون خوف.
فعندما يشعر المواطن بالأمان ، يصبح أكثر تفاعلاً مع ارضه ورموز بلده ، وأكثر اهتمامًا بتاريخه وحاضره ومستقبلهِ ، وأكثر حرصًا على لغته، وأكثر فخرًا بثقافته.
الأمن يحمي هذه المكونات من التهديدات الداخلية والخارجية ، ويجعل المواطن أكثر قدرة على الدفاع عنها والاعتزاز بها والتضحية لاجلها .
ثالثًا- الأمن كعامل تمكين للحكومة لتنفيذ برامجها :
الحكومات لا تستطيع تنفيذ برامجها في بيئة مضطربة ، فالأمن يوفر المناخ الملائم للاستثمار ودخول رؤوس الاموال ، ويسهل حركة التجارة ، ويشجع على إقامة المشاريع التنموية ، ويقلل من الهدر في الموارد. كما أن الأمن الداخلي يعزز ثقة المؤسسات الدولية بالدولة ، ما يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية واستثمارية استراتيجية.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن الأمن يسهل على الحكومة إدارة مواردها البشرية والمالية بشكل سلس ، ويوفر عليها تكاليف مواجهة الأزمات أو الاضطرابات ، ما يعني توجيه هذه الموارد نحو بناء التعليم ، والصحة ، والبنية التحتية ، وتحسين جودة الحياة.
رابعًا: الأمن كقيمة أخلاقية واجتماعية :
منظومة أخلاقية
ليس الأمن مجرد ممارسات أو أجهزة ، بل هو منظومة أخلاقية وسلوكية أيضًا.
فالمجتمع المتماسك ، القائم على العدالة ، وسيادة القانون ، والمساواة ، يحقق أمنه الذاتي عبر التكاتف الاجتماعي والرقابة المجتمعية. وبالتالي ، فإن الاستراتيجية المثالية لتحقيق الأمن ينبغي أن ترتكز على التربية على المواطنة ، وتعزيز القيم الأخلاقية ، وبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
خامسًا: استراتيجية الأمن الشامل أساس لكل تنمية :
الاستراتيجية الفعالة لتحقيق الأمن يجب أن تكون شاملة ومتكاملة ، لا تقوم على الحلول الأمنية فقط ، بل تشمل :
1. التنمية الاقتصادية:
الفقر والبطالة يشكلان بيئة خصبة لظهور التهديدات.
2. التعليم:
تعزيز الوعي الوطني ومكافحة الجهل الذي يؤدي إلى التطرف أو الانحراف.
3. العدالة الاجتماعية:
توزيع الفرص بشكل عادل يضمن استقرار المجتمع.
4. الشفافية والمشاركة السياسية:
فتح قنوات التعبير يخفف من التوترات ويقوي الانتماء.
وأخيرا يمكن الجزم ، إن الأمن ليس فقط ضرورة حياتية ملحة ، بل هو عامل أساسي لبناء ثالوث الحياة ، الإنسان والمجتمع والدولة.
حين يشعر المواطن بالأمن ، يتعزز انتماؤه ، وتنمو هويته الوطنية ، وتُفتح أمام الحكومة أبواب النجاح في تنفيذ برامجها. وعلى هذا الأساس ، فإن الاستراتيجية المثلى لتحقيق الأمن يجب أن تُبنى على التكامل بين البعد الأمني والتنموي والاجتماعي والثقافي ، ليكون الأمن بابًا إلى الوطن لا سورًا حوله.
وزير الثقافة والسياحة والآثار