الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دهوك بطلاً للخليج من المنجز الرياضي إلى أفق الجغرافيا التشاركية

بواسطة azzaman

رياضة عابرة للهويات

دهوك بطلاً للخليج من المنجز الرياضي إلى أفق الجغرافيا التشاركية

 

بغداد- همام طه

في مباراة كروية حماسية، تغلّب نادي دهوك العراقي على نادي القادسية الكويتي في نهائي كأس أبطال الخليج، ليتوّج النادي الذي يمثّل مدينة دهوك في إقليم كردستان بلقب البطولة الخليجية. قد تبدو النتيجة في ظاهرها حدثاً رياضياً عادياً، لكنها في عمقها تفتح باباً للتأمل في أشكال الحضور الرمزي للهوية والتنوّع وتمثيلهما في الملاعب، ولرصد ديناميكيات التفاعل بين التنافس الرياضي والمجال الجغرافي، والفضاء السياسي، والعمق الثقافي، والأفق الاقتصادي، في إطار مقاربة يمكن وصفها بأنها «تحليل جيورياضي».

 العبور والتعبير

دهوك، المدينة الواقعة في إقليم كردستان ضمن الدولة العراقية، لا تمثل في هذه اللحظة موطناً لنادٍ رياضي يفوز ببطولة إقليمية فقط، بل يُجسّد صدى اسمها، الذي يتردّد في العراق والخليج، تعبيراً عن قدرة مجتمعات «الهويات الذاتية»، التي توصف عادةً بأنها «مجتمعات محلية» أو «مكونات إثنية» داخل دولة تعددية، على تمثيل نفسها ضمن الأطر الوطنية والإقليمية والدولية، بأدوات ناعمة وبوسائط مدنيّة، وأن تعبّر عن وجودها وحضورها، ثقافياً وسياسياً، بشكل عابر للقيود والحدود. هذا ما فعله المجتمع الكردي من خلال نادي دهوك الممثل للكرة العراقية في بطولة خليجية. فالمشاركة في بطولة خارجية تعني أن إقليم كردستان، من خلال الرياضة، يساهم في صناعة صورة العراق لدى محيطه. الانتصار هنا ليس على خصم، بل هو انتصار للرياضة كوسيلة للتعبير والاندماج، وللحلم الذي يتجاوز الجغرافيا والانتماء إلى أفق المشاركة والتكامل.

تلاقي وابداع

حين نفكر في هذا الإنجاز، باعتباره تمثيلاً رمزياً لامتداد العراق الاتحادي نحو الخليج، ونقطة التقاء بين كردستان كإقليم والمنظومة الخليجية، يمكننا أن نرى العراق بوصفه الفضاء الجيودولتي لكردستان أي أنه ليس مجرد دولة تحتضن إقليماً، بل مجالاً تتفاعل فيه الهويات واللغات والمشاريع والرؤى، وتتعايش فيه الكيانات ضمن إطار سياسي مشترك، يتيح التعدّد ويحتضن التنوّع، ويستوعب ويدمج الهويات الذاتية، ولا يصهرها، ضمن الهوية الوطنية. وفي هذا الفضاء، لا تكون كردستان تابعاً، بل شريكاً، ولا تكون بغداد مركزاً أحادي النزعة، بل بوتقة للسيادة التفاعلية المَرِنة والتنسيق الجهوي والتكامل الوطني. وهذا الطرح لا يلغي وحدة الدولة، بل يعمّق فهمها كتكوينٍ تعددي مستدام قادر على التطوّر والنماء والبقاء والارتقاء.

في مباراة دهوك والقادسية، لا مكان للغلبة بمعناها الضيق، بل للتمثيل بمعناه الواسع. لحظة يتلاقى فيها الخليج بكردستان، والعراق بالكويت، والجمهوريات بالأقاليم، في مشهد مشتركٍ يَعِدُ بما هو أكثر من كرة القدم: يَعِدُ بإمكانية بناء فضاء إقليمي شامل يحتضن تنوّعه لا يخاصمه، ويحتفي بتعدديته لا يخافها.

ويشكّل هذا الإنجاز تتويجاً رمزياً على مستويات متعددة، ضمن «الفضاء الجيورياضي» لإقليم كردستان داخل وخارج العراق.

فعلى صعيد الهوية والانتماء، يمكن أن يُعدّ الفوز على فريق خليجي تقليدي بمثابة إثبات وجود لـ «كردستان الرياضية» كلاعب حقيقي في المجال العربي. إنه نوع من التمثيل «الرمزي» لشعب وقضية عبر كرة القدم، وهي أداة ناعمة لكنها فعّالة.

وعلى مستوى التفاوض الداخلي، ضمن الفضاء الوطني العراقي، قد يُنظر لهذا الفوز الكردي كرسالة ضمنية لبغداد، تقولنحن موجودون بقوة، ومؤثرون بفاعلية، كشريك تكاملي لا كخصم انعزالي، وقادرون على إثبات أنفسنا من خلال هوية وطنية عراقية رحبة وشاملة، تجمع ولا تُقصي، وتدمِج ولا تقهر، وتُقنِع ولا تُخضِع.

هوية ثقافية

يلمع اسم دهوك اليوم كمدينة حاملة لهوية ثقافية وسياسية، تتداخل فيها التطلعات الكردية مع العمق العراقي والآفاق الإقليمية والعربية والخليجية. يشكّل التتويج هنا لحظة ناطقة؛ كردستان تسجل هدفاً في مرمى الجغرافيا وتنفتح على الخليج عبر بوابة العراق.

من خلال هذا الفوز، تقدم دهوك نفسها ليس كفاعل محلي فحسب، بل كمشارك إقليمي ضمن الفضاء العربي، وهو فضاء طالما تموضع كردياً كموقع «خارج - داخلي» في الوقت نفسه؛ خارج اللسان العربي التقليدي، وداخل الجغرافيا السياسية. فهل كانت مباراة دهوك والقادسية لحظة عبور رمزي لحدود الجغرافيا والهوية؟ أم لحظة تحدٍّ ناعم لإثبات الوجود؟

هذا الفوز لا ينبغي أن يُقرأ كمجرد إنجاز كروي، بل كجزء من سياق أشمل لحراكٍ رمزي متصاعد، تَستثمر فيه الهوياتُ الفراغاتِ الناعمة لتأكيد الذات. الملعب هنا يتحوّل إلى برلمان إقليمي للتمثيل السياسي - الثقافي. والجمهور ليس على المدرّجات وأمام الشاشات فحسب، بل هو التاريخ والمنطقة والعالم من ورائهما. والهدف ليس التسجيل في الشِباك فقط، بل إثبات الوجود والحضور وردّ الاعتبار في صميم وعي الأمم والشعوب. وكما تتجلى العلاقة الجيودولتية بين الدولة والإقليم في مشاركة فِرق كردستان في منافسات محلية وإقليمية تحت مظلة عراقية ولكن برمزية كردية، يجسّدها أيضاً دخول قوات البيشمركة في معادلات أمنية مع الجيش العراقي ضمن حدود التراب الوطني، وكذلك التفاوض السياسي الدائم بين بغداد وأربيل، الأمر الذي يجعل الدولة بمثابة فضاء تعددي، تشاركي وحواري، وليست كياناً أحادياً قسرياً مغلقاً.

إن تتويج نادي دهوك بطلاً للخليج ليس مجرد خبر رياضي مفرح، إنه لحظة إلهام تنموي وحضاري، وهو نقطة التقاء بين عناصر منظومة جيواقتصادية قابلة للنمو والتطوّر. فحين ننظر إلى مشروع ميناء الفاو الكبير و»طريق التنمية» الذي سيربط البصرة بتركيا، يمكننا أن نعيد تصور العراق كممر لوجستي اتحادي لا مركزي. فالبصرة تطلّ على البحر، وكردستان تطلّ على الشمال. دهوك، بحكم موقعها الحدودي مع تركيا، تصبح البوابة الشمالية لطريق التنمية. وكما أن الفاو هي الضفة العراقية الجنوبية المطلة على الخليج، فإن كردستان، ودهوك تحديداً، هي الضفة الشمالية ذات الصلة الجيواتحادية بذلك الامتداد. هذا يعني أن العراق لا يتحرك بجسد مركزي فقط، بل بأطرافه النشيطة أيضاً. والنادي الرياضي الكردي الذي يتنافس في الخليج، يختصر في مباراة واحدة رمزية الممر الاتحادي من الشمال إلى الجنوب، من دهوك إلى البصرة.

 


مشاهدات 24
أضيف 2025/04/19 - 2:39 PM
آخر تحديث 2025/04/20 - 3:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 198 الشهر 20124 الكلي 10900771
الوقت الآن
الأحد 2025/4/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير