الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حكايات‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬رمضان

بواسطة azzaman

حكايات‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬رمضان

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬

 

للأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬أنماط‭ ‬ويوميات‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تدينهم‭ ‬الشخصي،‭ ‬اذ‭ ‬ثمة‭ ‬طقوس‭ ‬مغلفة‭ ‬بجو‭ ‬روحي‭ ‬محبب‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الاديب‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭. ‬كان‭ ‬الروائي‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ

يتوقف‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬تمامًا‭ ‬للتفرغ‭ ‬للروحانيات‭ ‬والعبادة‭ ‬والقراءة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قضاء‭ ‬سهرات‭ ‬ليالى‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬في‭  ‬معقل‭ ‬الإباء‭ ‬الشعبي‭ ‬الشهير‭ ‬،‭ ‬مقهى‭ ‬الفيشاوى‭ ‬حتى‭ ‬الفجر‭.  ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬تناول‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬كتاب،‭ ‬وفي‭ -‬الأيام‭-‬الموصوفة‭ ‬بسيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬نراه‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬ولكن‭ ‬رمضان‭ ‬أقبل،‭ ‬وكان‭ ‬الناس‭ ‬يجتمعون‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬عند‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬وجيهٍ‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬التجارة،‭ ‬وكان‭ ‬سيدنا‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬طوال‭ ‬الشهر،‭ ‬وكان‭ ‬الصبي‭ ‬يرافق‭ ‬سيدنا‭ ‬ويريحه‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬بقراءة‭ ‬سورة‭ ‬أو‭ ‬جزءٍ‭ ‬مكانه،‭ ‬فقرأ‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬وسمعه‭ ‬هذا‭ ‬المفتش،‭ ‬فقال‭ ‬لأبيه‭: ‬إن‭ ‬ابنك‭ ‬لشديد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تجويد‭ ‬القرآن‭. ‬قال‭ ‬الشيخ‭: ‬سيجوده‭ ‬متى‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬على‭ ‬شيخ‭ ‬من‭ ‬شيوخ‭ ‬الأزهر

القاص‭ ‬يوسف‭ ‬ادريس،‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬جمهورية‭ ‬فرحات‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬قصة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬رمضان‮»‬،‭ ‬يسرد‭ ‬حكاية‭ ‬طفل‭ ‬يدعى‭ ‬فتحي‭ ‬،أوردها‭ ‬كاملة‭ ‬هنا‭ .‬

‮«‬فتحي‭ ‬ابن‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬الذى‭ ‬يحلم‭ ‬بخوض‭ ‬تجربته‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬الصيام‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬لها‭ ‬بالدين،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬طموحه هو‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اعتماده‭ ‬عضوًا‭ ‬كامل‭ ‬الأهلية‭ ‬فى‭ ‬قائمة‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬يصومون،‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بلذة‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬السحور‭ ‬مع‭ ‬الأب‭ ‬والأم،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬ثائرا‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬الرجال‭ ‬الكبار‭ ‬وعلى‭ ‬أبيه‭ ‬بنوع‭ ‬خاص،‭ ‬فمن‭ ‬حوالى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يذكر،‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬أبيه‭ ‬أن‭ ‬يصوم‭ ‬رمضان،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬أبوه‭ ‬‮«‬‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬الثامنة‮»‬،‭ ‬وكظم‭ ‬فتحي‭ ‬صبره‭ ‬وانتظر‭ ‬عاماً‭ ‬طويلًا‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬وحين‭ ‬حلت‭ ‬مقدمات‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬التالي‭ ‬وبدأ‭ ‬يرى‭ ‬‮«‬‭ ‬الفطرة‭ ‬‮«‬‭ ‬و‮»‬‭ ‬النقل‭ ‬‮«‬‭ ‬و»عين‭ ‬الجمل‮»‬‭ ‬تملأ‭ ‬الأجولة‭ ‬أمام‭ ‬الدكاكين،‭ ‬لم‭ ‬ينتظر‭ ‬حتى‭ ‬يُفاجأ‭ ‬بالأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وإنما‭ ‬قبلها‭ ‬بكثير،‭ ‬انتهز‭ ‬لحظة‭ ‬انسجام‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬أبيه،‭ ‬وفتحي‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬لحظات‭ ‬الانسجام‭ ‬تلك‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الشهر،‭ ‬انتهز‭ ‬الفرصة‭ ‬وذكره‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬وأردف‭ ‬هذا‭ ‬بقوله‭ ‬إنه‭ ‬خلاص‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يصوم،‭ ‬وادعى‭ ‬أبوه‭ ‬النسيان‭ ‬التام‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الأمر،‭ ‬ثم‭ ‬لما‭ ‬أخذ‭ ‬يذكره‭ ‬ويضيق‭ ‬عليه‭ ‬الخناق‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬‮«‬‭ ‬لا‭ ‬صيام‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يصلي‮»‬‭.‬

وكانت‭ ‬إجابة‭ ‬فتحي‭ ‬حاسمة‭ ‬صريحة‭ ‬إنه‭ ‬حتمًا‭ ‬سيصلي،‭ ‬وحسب‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لن‭ ‬يكلفه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الوضوء‭ ‬والصلاة،‭ ‬ثم‭ ‬يُتاح‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يصوم،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬متفائلًا‭ ‬جِدا‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يتح‭ ‬له‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬يصلي‭ ‬كما‭ ‬أراد،‭ ‬فقد‭ ‬توضأ‭ ‬كما‭ ‬تعلّم‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬وفردَ‭ ‬‮«‬سجادة‮»‬‭ ‬أبيه‭ ‬ليصلى‭ ‬عليها،‭ ‬فإذا‭ ‬بأبيه‭ ‬يسبقه‭ ‬ويطويها،‭ ‬ولما‭ ‬سأله‭ ‬فتحي‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬أجابه‭ ‬بأنه‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬وضوئه‭ ‬وطهوره،‭ ‬ويخاف‭ ‬على‭ ‬السجادة‭ ‬أن‭ ‬تلحقها‭ ‬النجاسة،‭ ‬فترك‭ ‬السجادة‭ ‬وصنع‭ ‬لنفسه‭ ‬مصلى‭ ‬من‭ ‬جلبابه‭ ‬القديم‭ ‬النظيف،‭ ‬ولم‭ ‬يعترف‭ ‬أبوه‭ ‬أبدًا‭ ‬بطهارة‭ ‬الجلباب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يعترف‭ ‬بصلاته،‭ ‬وقرر‭ ‬فتحي‭ ‬حينئذٍ‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬أباه‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬فيذهب‭ ‬ويصلى‭ ‬في‭ ‬الجامع‮»‬‭.‬

إذ‭ ‬يحظى‭ ‬الطفل‭ ‬الحالم‭ ‬بموافقة‭ ‬أبيه،‭ ‬التي‭ ‬يعلنها‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الحماس،‭ ‬يندفع‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الخبر‭ ‬مباهيًا‭ ‬مفاخرًا،‭ ‬لكن‭ ‬ممارسة‭ ‬تجربة‭ ‬الصيام‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬البريق‭ ‬الخارق‭ ‬المأمول‭ ‬الذى‭ ‬يسكنه‭ ‬ويسيطر‭ ‬عليه،‭ ‬ثم‭ ‬تبدأ‭ ‬المعاناة‭ ‬المرهقة‭ ‬مع‭ ‬ميلاد‭ ‬النهار‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭ ‬الصيفي‭ ‬قائظ‭ ‬الحرارة،‭ ‬يولد‭ ‬الشعور‭ ‬الحاد‭ ‬بالعطش‭ ‬مع‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬من‭ ‬النوم،‭ ‬ويبدو‭ ‬الماء‭ ‬كأنه‭ ‬اكتشاف‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬فتحي‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لا‭ ‬مهرب‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬العطش‭ ‬الخانقة‭ ‬إلا‭ ‬بالإفطار‭ ‬سرًا‭ ‬وشرب‭ ‬الماء‭ ‬حتى‭ ‬يرتوى،‭ ‬مع‭ ‬ادعاء‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الصيام‭ ‬علنًا،‭ ‬تأكيداً‭ ‬لرجولته‭ ‬التي‭ ‬تشكك‭ ‬فيها‭ ‬أمه،‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬خطيرة‭ ‬كهذه‭ ‬إلا‭ ‬قيود‭ ‬الضمير‭ ‬الديني‭ ‬الذى‭ ‬تربى‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬الخوف‭ ‬الكامن‭ ‬من‭ ‬الانتقام‭ ‬الحتمي‭ ‬المروع‭ ‬الذى‭ ‬سيطوله‭ ‬جراء‭ ‬فعلته‭ : ‬‮«‬‭ ‬إن‭ ‬رمضان‭ ‬سيعرف‭ ‬لأنه‭ ‬يرى‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬يرونه،‭ ‬ويعرف‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬يفطرون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يفطرون‭ ‬‮«‬،‭ ‬ارتسم‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬فتحي،‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‮»‬‭.‬

 

رئيس التحرير- الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com


مشاهدات 210
الكاتب فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬
أضيف 2024/04/01 - 2:11 PM
آخر تحديث 2024/05/18 - 10:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 180 الشهر 6983 الكلي 9345021
الوقت الآن
السبت 2024/5/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير