الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
منصب رئيس مجلس الوزراء من مركز الثقل التنفيذي إلى موقعٍ مستباح

بواسطة azzaman

منصب رئيس مجلس الوزراء من مركز الثقل التنفيذي إلى موقعٍ مستباح

محمد عبد الجبار الشبوط

 

يُعدّ منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق، بموجب الدستور العراقي لعام 2005، أهم منصب تنفيذي في الدولة، فهو القائد العام للقوات المسلحة، والمسؤول الأول عن رسم السياسات التنفيذية، وصاحب السلطة العليا في إدارة الحكومة ومؤسساتها. وبحكم موقعه في البنية الدستورية للنظام السياسي العراقي، كان يُفترض أن تتشكل حول هذا المنصب هالة من الرمزية والهيبة السياسية، بما يعكس دوره الحاسم في توجيه الدولة وضبط إيقاعها.

غير أنّ العرف السياسي الذي تكوّن بعد عام 2003، والقائم على توزيع المواقع العليا وفق الانتماءات المكوناتية، أسند هذا المنصب عمليًا إلى القوى الشيعية. لكن السلوك السياسي الذي مارسته الأحزاب الشيعية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم يقُد إلى تعزيز هيبة هذا الموقع، بل أسهم — بصورة مباشرة أو غير مباشرة — في إضعاف رمزيته وتحويله إلى موقع قابل للاستنزاف والمساومة.

أولًا: التنافس الحزبي الذي حوّل المنصب إلى حصّة لا إلى مسؤولية

تعاملت الأحزاب الشيعية مع موقع رئيس الوزراء بوصفه “حصّة مكوّن” تُدرج ضمن معادلات التفاوض السياسي، بدل أن يكون منصبًا سياديًا يتطلب مواصفات شخصية ومؤسسية صلبة. ومع مرور الوقت، أدّى هذا النهج إلى:

1.تكريس منطق المحاصصة على حساب منطق الدولة.

2.تقليص الدور القيادي لرئيس الوزراء لصالح مراكز قوى حزبية تمتلك حق النقض الفعلي على قراراته.

3.حصر المرشحين للمنصب ضمن دائرة حزبية ضيقة لا تراعي كفاءة بقدر ما تراعي الولاءات والتوازنات.

بهذا السلوك، فقد المنصب سمته الطبيعية كقمة هرم السلطة التنفيذية، وأصبح جزءًا من بورصة التفاهمات وتقاسم النفوذ.

ثانيًا: كثرة التدخلات الحزبية في عمل الحكومة

لم تسمح الأحزاب الشيعية لأي رئيس وزراء بالعمل باستقلالية تامة. فقد تعددت:

الضغوط على اختيار الوزراء،

التدخل في التعيينات العليا،

فرض القرارات أو عرقلتها،

إدارة ملفات أمنية واقتصادية عبر قنوات موازية للدولة.

أدت هذه الممارسات إلى تآكل صورة رئيس الوزراء بوصفه صاحب القرار التنفيذي الأعلى، ووضعته في إطار يبدو فيه مجرد واجهة لتوافقات حزبية، بدل أن يكون مركز القيادة الفعلية للدولة.

ثالثًا: تعدد رؤوس القوة داخل البيت السياسي الشيعي

لم ينجح البيت السياسي الشيعي في إنتاج قيادة موحدة أو رؤية استراتيجية للدولة. فاختلاف المرجعيات السياسية، وتنوّع الأجنحة المسلحة، وتضارب المصالح الاقتصادية، كل ذلك جعل:

أي رئيس وزراء عاجزًا عن فرض سلطته على المكوّن الذي ينتمي إليه نظريًا،

المنصب ذاته عرضة للاهتزاز، لأن حامليه يتغيرون تبعًا لتقلّبات العلاقة بين هذه القوى.

إن وجود مراكز قوة موازية — بعضها يمتلك السلاح والموارد — أدّى إلى انتزاع جزء من هيبة الموقع التنفيذي وإعادة توزيعها على القوى المتنافسة.

رابعًا: سرعة الاستهلاك السياسي لشاغلي المنصب

أصبح تغيير رئيس الوزراء أو الدعوة لإسقاطه جزءًا من أدوات التفاوض السياسي. فكلما تغيّر ميزان القوة بين الأحزاب، أو برز خلاف جديد، تتحول رئاسة الوزراء إلى ساحة صراع مفتوحة.

هذا النمط ولّد انطباعًا عامًا بأن المنصب قابل للاستبدال في أي لحظة، وهو ما أضعف رمزيته لدى المجتمع والدولة معًا، وحوّله إلى هدف متاح لكل السياسيين الذين يبحثون عن مكان في واجهة السلطة.

خامسًا: غياب المشروع الوطني الجامع

فشلت القوى السياسية الشيعية في استخدام موقع رئاسة الوزراء لإنتاج مشروع دولة حقيقي، يقوم على الإصلاح المؤسسي، وبناء الثقة، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع. وبدل أن يكون رئيس الوزراء رمزًا لعقد اجتماعي جديد، أصبح — في كثير من الأحيان — جزءًا من منظومة إدارة الأزمة، لا منظومة صناعة المستقبل.

هذا العجز عن تحويل السلطة التنفيذية إلى أداة بناء وطني رسّخ ضعف المنصب وزاد من قابلية التشكيك في أهميته وقدرته على صناعة التغيير.

خلاصة

لقد أدّى السلوك الحزبي الشيعي، عبر المحاصصة والتجاذبات والتدخلات المتواصلة، إلى إضعاف رمزية أهم منصب تنفيذي في الدولة العراقية. وبات هذا المنصب — الذي يفترض أن يكون موقع القيادة الوطنية العليا — مستهلكًا سياسيًا، فاقدًا لهيبته، وقابلًا لأن يكون مطمحًا لكل من يسعى إلى النفوذ دون أن يمتلك شروط قيادة الدولة.

إن استعادة مكانة رئيس مجلس الوزراء تتطلب إعادة بناء مفهوم الدولة قبل الأشخاص، وفكّ ارتباط المنصب بتجاذبات المكوّنات، وتحويله إلى موقع وطني بامتياز، يستمد شرعيته من الدستور ومن الكفاءة، لا من أعراف التوزيع السياسي.


مشاهدات 43
الكاتب محمد عبد الجبار الشبوط
أضيف 2025/12/08 - 1:11 AM
آخر تحديث 2025/12/08 - 2:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 97 الشهر 5427 الكلي 12789332
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير