الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فوضى الأسماء وثبات الإنجاز

بواسطة azzaman

فوضى الأسماء وثبات الإنجاز

الغيث مزهر الخفاجي

 

في لحظات التحوّل الكبرى التي مرّ بها العراق خلال السنوات الأخيرة، برزت مفارقة لافتة بين فوضى الأسماء المتصارعة على الحكم وبين ثبات الإنجاز الذي تحقق على الأرض رغم التعقيدات السياسية. ولعل التجربة التي رافقت تشكيل الحكومة المرتبطة بالبرلمان السادس تقدم مثالاً واضحاً على حجم التحدّي الذي واجهه البلد، وحجم المسؤولية التي تحملها القليل من الرجال حين غاب التوازن عن المشهد.

 

انسحاب الصدر… قرار سياسي أم حماية وطنية؟

منذ البداية، كان موقف السيد مقتدى الصدر واضحاً وحاسماً:

لا مشاركة في حكومة توافقية، بل دعوة صريحة إلى حكومة أغلبية سياسية تعكس إرادة الناخبين بصورة مباشرة.

هذا المطلب، الذي بدا للبعض مغامرة سياسية، كان في جوهره محاولة لتصحيح بوصلة الديمقراطية في العراق؛ فالأغلبية تحكم، والأقليات تُحترم حقوقها ضمن أطر دستورية واضحة.

إلا أن العرف السياسي السائد وقتها لم يسمح بولادة حكومة أغلبية، فاختار الصدر الانسحاب. وهو قرار، مهما اختلفت القراءات حوله، حمل بعداً وطنياً واضحاً، إذ جنّب الساحة مزيداً من التصعيد وترك رسالة مركزية:

إرادة الشعب يجب ألا تُحرَّف.

 

السوداني… دقّة الاختيار وثبات الدولة

وسط هذا المشهد المضطرب، كانت المرحلة تتطلب شخصية هادئة، متوازنة، نظيفة اليد، وقادرة على إدارة دولة تحت ضغط الانقسامات. فكان اختيار محمد شياع السوداني خطوة متقدمة في لحظة بالغة الحساسية.

نجح السوداني في تفكيك أزمات عالقة، وأطلق سلسلة إصلاحات خدمية واقتصادية، وحرص على أن تخرج حكومته من مربع الصراعات الحزبية إلى فضاء إنجاز ملموس يشعر به المواطن.

قدّم نموذجاً لرجل الدولة الذي يوازن بين الداخل والخارج، ويعيد للعراق شيئاً من رمزيته واحترامه الإقليمي. لم يكن صدامياً، ولم يكن تابعاً، بل مارس السياسة بحكمة الهدوء وصلابة الموقف.

الولاية الثانية… إرادة الناخب أم فوضى التحالفات؟

بعد نتائج انتخابات 2025، التي تصدّر فيها تحالف الإعمار والتنمية، بدا واضحاً أن للناخب العراقي كلمة ينبغي عدم تجاوزها.

لكنّ المادة (76) من الدستور، التي تحدد أن “الكتلة الأكثر عدداً” هي من تسمّي رئيس الوزراء، تُفتح اليوم كما في السابق على باب ضيق يسمح لقوى سياسية بتغيير إرادة الناخب عبر تحالفات ما بعد الانتخاب.

وهنا تكمن المشكلة:

كيف تُحترم أصوات الناس إذا كانت التحالفات قادرة على قلب المشهد؟

وكيف يُكافأ الإنجاز إن كانت الحسابات السياسية تتقدّم على رضا الجمهور؟

إن المرحلة المقبلة تتطلب شجاعة في مواجهة فوضى الأسماء، والانتقال نحو تثبيت قاعدة ديمقراطية بسيطة وواضحة:

من يحقق الأغلبية هو من يحكم.

لا يُخان الناخب، ولا تُسرق الأصوات، ولا يُستبدل خيار الشعب بتسوية خلف الكواليس.

 

خاتمة

لقد أثبتت السنوات الماضية أن الأسماء التي ترتفع بالصوت لا تصنع الدولة، بل الرجال الذين يقدّمون الإنجاز بثبات.

والعراق اليوم أمام لحظة فاصلة:

إما احترام الإرادة الشعبية وتعزيز مفهوم الأغلبية السياسية،

وإما العودة إلى دوامة التحالفات التي لم تُنتج سوى حكومات ضعيفة ووعود مؤجلة.

إن احترام صوت العراقيين ليس خياراً سياسياً…

بل واجب وطني يحفظ البلد ويمنح مستقبله استقراراً يستحقه


مشاهدات 46
الكاتب الغيث مزهر الخفاجي
أضيف 2025/12/08 - 1:31 AM
آخر تحديث 2025/12/08 - 2:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 106 الشهر 5436 الكلي 12789341
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير