فاتح عبد السلام
يقول نتانياهو انّ اسرائيل غيّرت وجه الشرق الأوسط، ويربط ذلك بالحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان واليمن ووضع إيران ومقتل عدد كبير من القادة.
في نظرة بسيطة، من دون تنظير سياسي وألفاظ استراتيجية ملتوية ومن دون عقد، نجد انّ الأنظمة العربية أسهمت في العملية الأولى لتغيير وجه الشرق الأوسط ، منذ حرب العراق2003 وقبلها حرب الكويت والأبعد منهما حرب ايران. حروب استغرقت سنوات تغيّرت فيها تحالفات دولية وإقليمية وتبدلت فيها تموينات اجتماعية وسياسية داخلية وخارجية، تبدلت حتى طبيعة التربة والمياه، وتحوّل البلد الأغنى عربياً الى الأفقر والاضعف والأكثر عزلة، بالرغم من كل الشعارات الملونة. هذه حقائق تاريخية لا تدخل فيها الميول والاهواء والعواطف وتخريجات الاسباب والمسببات وتقييمات الاشخاص. وبعد ذلك في مرحلة سياسية جديدة منذ عشرين عاما وأزيد لم يعد العراق من مرحلة الضياع الى مرحلة الوجود، حتى انّ قمة أمريكية عالمية خليجية قبل أيام مرّت من دون أن يلقي أحد نظرة الى العراق، وكأنه مساحة منسية في الربع الخالي، جرداء لا حياة فيها.
النظام السياسي لأي بلد هو عنوان الحياة للوجود الاجتماعي، لأنه مكلف الحفاظ عليه، وهو الطريق الذي يخطه اليوم بمثابرة وصعوبة بالغة الحكم الجديد في سوريا.
في العراق، نجد اليوم حقائق أخرى يمكن اختصارها في انّ كل المفاهيم المهمة والغنية والمكتنزة تخضع للافراغ من مضامينها وتحويلها الى سلعة سياسية رخيصة تنعكس على البلد، فلا نرى هناك افقاً عاماً لمستقبل هذا الجيل، وكل شيء وقتي وآني وتحصيل حاصل فوضى قوى سياسية لم تتوصل الى انتاج مفهوم وطني مستقر لوجود البلد، وبعضها يعتز بالعناوين التقسيمية ويعده ضمانة لوجوده واستمراره في النفوذ والقوة. نحن في مسار خاطئ ومستمرون في التوغل فيه الى حيث المجهول.
هذا الوضع هو الذي يصب في المحصلة العامة التي يرى نتانياهو انه جناها في تغيير تركيبة الشرق الأوسط، فالعراق معني بهذا التوصيف، لكن يبدو انّ هناك توافقاً دولياً مدروساً وعميقاً لتجاهل ذكره، لأنه خارج المعادلات المؤثرة اليوم، والأنكى من ذلك انه في حالة لا يمكن تصنيفها بوضوح، وهذه هي من نتائج الشرق الأوسط المتغير، فليس كل شيء تغيّر نحو الاعمار والتنمية والسلام والتطبيع والاستثمار، اذ هناك معان أخرى للتغيير نجد بعضها في العراق.