الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لقاء‭ ‬في‭ ‬الريفييرا‭ ‬العربي

بواسطة azzaman

لقاء‭ ‬في‭ ‬الريفييرا‭ ‬العربي

كامل عبدالرحيم

‭  ‬

بين‭ “‬ريفيرا‭ ‬ترامب‭” ‬و‭”‬ريفيرا‭ ‬سهيل‭ ‬سامي‭ ‬نادر‭”‬،‭ ‬لا‭ ‬نبوءة‭ ‬كالأدب،‭ ‬ولا‭ ‬سخرية‭ ‬تشع‭ ‬هادفة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬قلبه‭.‬

فجر‭ ‬هذا‭ ‬اليوم،‭ ‬فكرت‭ ‬بالكتابة‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ “‬ريفيرا‭ ‬غزة‭” ‬الذي‭ ‬طرحه‭ ‬ترامب،‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬مدخلًا‭ ‬مناسبًا‭. ‬فجأة،‭ ‬جاءني‭ ‬العون‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ (‬وربما‭ ‬من‭ ‬قريب‭)‬،‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬عمل‭ ‬قصير‭ ‬منشور‭ ‬للصديق‭ ‬العزيز‭ ‬وأستاذي‭ ‬سهيل‭ ‬سامي‭ ‬نادر‭. ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬قصيرة‭ ‬أو‭ ‬قصة‭ ‬طويلة‭ ‬حملت‭ ‬عنوانًا‭ ‬غامضًا‭: “‬الريفييرا‭ ‬العربي‭”. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬مجرد‭ ‬صدفة،‭ ‬فقد‭ ‬كُتب‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬ونُشر‭ ‬قبل‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬قبل‭ ‬الماضي،‭ ‬لكنه‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬استبق‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭. ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أبطال‭ ‬الرواية‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬غزة‭.‬

حينما‭ ‬بدأت‭ ‬قراءة‭ “‬الريفييرا‭ ‬العربي‭”‬،‭ ‬سألت‭ ‬سهيل‭ ‬نادر‭ (‬عبر‭ ‬الماسنجر‭) ‬إن‭ ‬كان‭ ‬البيت‭ ‬الموصوف‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬بيته،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الوصف‭ ‬المهيب‭ ‬الذي‭ ‬خصّه‭ ‬به‭. ‬أجابني‭ ‬بالنفي،‭ ‬موضحًا‭ ‬أنه‭ ‬بيت‭ ‬يعود‭ ‬لقريب‭ ‬له‭ ‬يدعى‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق،‭ ‬وقدم‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الاعتذار‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭.‬

‭ ‬في‭ ‬القصة،‭ ‬يلتقي‭ ‬البطل‭ ‬العراقي،‭ ‬الذي‭ ‬أسماه‭ ‬الكاتب‭ “‬غسق‭”‬،‭ ‬بفلسطيني‭ ‬يُدعى‭ “‬عباس‭” ‬في‭ ‬فندق‭ ‬رخيص‭ ‬وسط‭ ‬عمان‭. ‬عباس،‭ ‬الفدائي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المتقاعد‭ ‬أو‭ ‬المهزوم،‭ ‬رجل‭ ‬طويل‭ ‬القامة،‭ ‬أسود‭ ‬البشرة،‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬شرب‭ ‬كؤوس‭ ‬الجن‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالليمون‭ ‬والنعناع‭. ‬يمنح‭ ‬هذا‭ ‬الفندق‭ ‬اسمًا‭ ‬خاصًا‭: “‬الريفييرا‭ ‬العربي‭”. ‬هنا،‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬بلا‭ ‬نجوم،‭ ‬تتوحد‭ ‬التواريخ‭ ‬المشتركة‭ ‬للمنطقة‭: ‬فلسطين،‭ ‬العراق،‭ ‬الأردن،‭ ‬وغيرها‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفندق،‭ ‬تسير‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭:‬

‭”‬إن‭ ‬حياتي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬الريفيرا‭ ‬من‭ ‬الماضي،‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.”‬

‭ ‬أما‭ “‬ريفيرا‭ ‬ترامب‭”‬،‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬الماضي‭. ‬ببساطة،‭ ‬يجهله‭. ‬التفكير‭ ‬بالتاريخ‭ ‬بعقلية‭ ‬المطوّر‭ ‬العقاري،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬ترامب‭ ‬وإيلون‭ ‬ماسك،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الاصطدام‭ ‬بنتنياهو‭ ‬قبل‭ ‬الاصطدام‭ ‬بأي‭ ‬وقائع‭ ‬أخرى‭. ‬فنتنياهو‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬أوحال‭ ‬الخرافة،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬إلا‭ ‬ساحة‭ ‬حرب‭ ‬أبدية‭.‬

‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الثلاثي‭ ‬ترامب‭-‬ماسك‭-‬نتنياهو‭ ‬ثنائي‭ ‬سهيل‭ ‬نادر‭: ‬العراقي‭ “‬غسق‭” ‬وعباس‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الضابط‭ ‬الفتحاوي‭ ‬من‭ ‬غزة‭. ‬الثلاثي‭ ‬الأول‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الخواء‭ ‬وأرض‭ ‬بلا‭ ‬بشر،‭ ‬كل‭ ‬بطريقته‭:‬

‭ ‬ماسك،‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬كوكب‭ ‬جديد‭ ‬بعدما‭ ‬نفض‭ ‬يديه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭.‬

ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬غزة‭ ‬مجرد‭ ‬موقع‭ ‬سياحي‭ ‬بلا‭ ‬ملامح‭.‬

نتنياهو،‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬القنابل‭ ‬الكبرى‭ ‬وسيلة‭ ‬لمحاربة‭ ‬الأحياء‭ ‬وحتى‭ ‬الأموات‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭.‬

أما‭ ‬ثنائي‭ ‬سهيل‭ ‬نادر،‭ ‬فيتعايشان‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬صغيرة‭ ‬ضيقة،‭ ‬لكن‭ ‬التاريخ‭ ‬ينساب‭ ‬بين‭ ‬جدرانها،‭ ‬والحلم‭ ‬ينمو‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬اليأس‭.‬

يأتي‭ ‬المستعمرون‭ ‬والغزاة‭ ‬والمحتلون،‭ ‬ويذهبون،‭ ‬ولا‭ ‬يتركون‭ ‬سوى‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭. ‬هذا‭ ‬السوء‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬مفهومين‭ ‬أساسيين‭: ‬التاريخ‭ ‬والحداثة‭. ‬فكما‭ ‬أن‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬كارثي،‭ ‬فإن‭ ‬صناعة‭ ‬تاريخ‭ ‬جديد‭ ‬مثل‭ ‬الكتابة‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬الريح‭ ‬أكثر‭ ‬كارثية،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬كاذبًا‭ ‬مثل‭ ‬أوهام‭ ‬ترامب‭.‬

‭ “‬غسق‭”‬،‭ ‬بطل‭ “‬الريفييرا‭ ‬العربي‭”‬،‭ ‬عراقي‭ ‬يحاول‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬بلاده‭ ‬هربًا‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬والديكتاتورية،‭ ‬وتتوقف‭ ‬رحلته‭ ‬في‭ ‬عمان،‭ ‬حيث‭ ‬يخطط‭ ‬للعبور‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬حيث‭ ‬تقيم‭ ‬أخته‭ “‬سميرة‭”. ‬فجأة،‭ ‬يختفي‭ ‬عباس‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬تاركًا‭ ‬له‭ ‬وصية‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭. ‬العودة‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬فعل،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ “‬الرقم‭ ‬السري‭ ‬للتاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭”.‬

‭ ‬يختصر‭ “‬غسق‭” ‬المشهد‭ ‬العراقي‭ ‬آنذاك‭ ‬قائلًا‭:‬

‭”‬كنا‭ ‬في‭ ‬ثقب‭ ‬أسود‭ ‬صنعته‭ ‬دورة‭ ‬صدام‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬ودورة‭ ‬أمريكا‭ ‬حول‭ ‬العراق‭. ‬الاثنان‭ ‬سينجذبان‭ ‬نحو‭ ‬الهوة‭.”‬

‭ ‬واليوم،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬أمريكا‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬الهوة‭.‬

‭ ‬يرتب‭ “‬غسق‭” ‬أوضاعه‭ ‬للعودة،‭ ‬رغم‭ ‬معرفته‭ ‬بما‭ ‬تخطط‭ ‬له‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬يظهر‭ ‬له‭ ‬أخ‭ ‬غائب،‭ ‬فاضل،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭. ‬فاضل‭ ‬هو‭ “‬ثقب‭ ‬جديد‭ ‬داخل‭ ‬الثقب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأكبر‭”‬،‭ ‬وهو‭ – ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ – ‬يمثل‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مبرراتها‭.‬

قبل‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬يتبنى‭ ‬غسق‭ ‬أسلوبًا‭ ‬خاصًا‭ ‬أسماه‭ “‬التطنيش‭ ‬الفلسطيني‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬هروبًا‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬بل‭ ‬تكيف‭ ‬بين‭ ‬التيه‭ ‬والعودة‭.‬

‭ ‬بين‭ “‬ريفييرا‭ ‬ترامب‭” ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تاريخ،‭ ‬و‭**”‬الريفييرا‭ ‬العربي‭”** ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬تتحرك‭ ‬الأحداث‭. ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬يصطدم‭ ‬الثقب‭ ‬الأمريكي‭ ‬بصخرة‭ ‬العودة،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬العودة‭ ‬مجرد‭ ‬شعار،‭ ‬بل‭ ‬مصير‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه،‭ ‬سواء‭ ‬إلى‭ ‬العراق،‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭… ‬أو‭ ‬ببساطة،‭ ‬إلى‭ ‬الذات،‭ ‬وإن‭ ‬طال‭ ‬الطريق‭.‬


مشاهدات 117
الكاتب كامل عبدالرحيم
أضيف 2025/03/08 - 11:59 AM
آخر تحديث 2025/03/10 - 11:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 272 الشهر 5039 الكلي 10465988
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير