فاتح عبد السلام
كم عدد الأخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها إسرائيل تحت غطاء تفاخرها بأنّها القوة الأكبر في الشرق الأوسط، وانّها صاحبة الضربة الأولى والأخيرة في كل مرة؟
هناك أخطاء كثيرة لها فيها مبررات عدة كان العالم قد ارتضى سماعها غالباً، قبل أن يأفل ذلك الاصغاء بسبب نكبة الدم والجوع في قطاع غزة، حتى انّ دولة مثل بريطانيا، صاحبة “وعد بلفور” التاريخي الذي كان السبب في ولادة إسرائيل، باتت تقول رسمياً انّ عدم إيقاف إسرائيل للحرب سيجعلها تعترف بدولة فلسطينية في شهر أيلول المقبل، وهذا القرار البريطاني يعني الكثير في طبيعة السياسة الخارجية لدولة عظمى.
لكنّ الخطأ المختلف الذي ترتكبه إسرائيل اليوم تحت ذرائع وهمية وغير قابلة للتصديق، هو التدخل في سوريا بشكل لا يوفر لها الامن مطلقا كما تظن.
في السابق كانت وحدات الحرس الثوري الإيراني الصاروخية والاستخبارية برفقة وحدات حزب الله اللبناني والمليشيات القادمة من العراق، تعمل بكامل حريتها قرب حدودها، ولم تقم اسرائيل ضدها بسوى عمليات قصف منتخبة لأهداف إيرانية على الأراضي السورية، من دون أن تجتاحها كما تفعل اليوم، برغم من انّ سوريا قطعت امتدادات النفوذ الإيراني وما والاه في أراضيها.
اليوم سوريا في وضع قلق بعد مواجهة واقع مدمر كلياً جرّاء حرب بشار الأسد على شعبه14 سنة بمساعدة إيران وروسيا، وهنا تنتهز إسرائيل فرصة
تتوهم انّها ذهبية للتمدد في الداخل السوري وكسر قرارات مجلس الأمن الدولي الموقعة عليها، فضلاً عن اللعب بالورقة الطائفية السورية، تحت أسباب مختلفة، لا تبدو مقنعة أبداً، لاسيما انّ تجربة حكم عمرها بضعة شهور قدمت الكثير في إرساء السلم الداخلي والنيات إزاء الخارج، لا تقارن بخمسة عقود ماضية من التعبئة « الأسدية» ولو بالألفاظ طبعا، للحرب ضد إسرائيل؟
التوغل الإسرائيلي في الريف السوري ومحاولة الاقتراب من دمشق، أمر غريب، وكأنّ الإسرائيليين يدفعون السوريين برغم جراحهم لمعركة غير مهيئين لها عسكريا لكنها في النهاية مسألة أرض وكرامة، وقد تتضخم في ليلة وضحاها وتصل للانفجار.
هناك جنود إسرائيليون ينتشرون في الريف السوري، ألا يمكن أن يولد ذلك مع الزمن مقاومة شعبية من نوع مختلف عن محور المقاومة الإيراني الاستعراضي؟ ألا يمكن أن يقوم عدد من الفلاحين بزراعة ارضهم المجتاحة مراراً بعدد من الالغام المتوافرة من بقايا الحروب؟
ولا أريد أن أقف عكس مسار التاريخ المرئي، ولا أريد أن أقول انّ التلاقي السوري الإيراني قد يعاود مساره، ذات يوم أو ذات عام مقبل، إذا لم تبقِ إسرائيل أمام دمشق أيّ خيار آخر؟
هل هذا ما تريد أن تصل اليه إسرائيل فعلاً؟