حين يعجز الصحفي عن الوصول لوزير الداخلية
حاكم الشمري
ليس من السهل على الصحفي أن يكتب عن بابٍ طرقه طويلًا ولم يُفتح، خصوصًا حين يكون ذلك الباب تابعًا لمؤسسة سيادية يُفترض أن ترى في الصحافة شريكًا لا عبئًا، وجسرًا لا حاجزًا. فمنذ فترة ليست بالقصيرة، حاولت بصفتي صحفيًا أن أصل إلى وزير الداخلية لإجراء حوار مهني يضع الرأي العام أمام رؤية الوزارة، ويستعرض التحديات الأمنية والإدارية بلغة شفافة، فكانت النتيجة سلسلة من الطلبات الرسمية، والمخاطبات، والانتظار، دون جدوى.
قدّمت أكثر من طلب عبر القنوات المعروفة، وسلكت الطرق التي يُفترض أنها معتمدة، واستعنت بعلاقات مهنية، بل لجأت إلى وساطات، ومع ذلك ظلّ الصمت هو الجواب الوحيد. لا رفض رسمي، ولا اعتذار واضح، ولا موعد مؤجل، فقط فراغ إداري يبتلع الأسئلة قبل أن تصل.
المفارقة التي تفرض نفسها بقوة أنني، في الوقت الذي عجزت فيه عن الوصول بصفتي صحفيًا، أرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع للوزير وهو يلتقي مواطنين بسطاء في الشارع، أو يستمع إلى شكاوى مباشرة، أو يشارك في فعاليات عامة. مشاهد إيجابية بلا شك، تعكس رغبة في القرب من الناس، لكنها في الوقت ذاته تطرح سؤالًا مشروعًا: كيف يصل المواطن بسهولة، بينما يقف الصحفي عند العتبة؟الصحافة ليست خصمًا للسلطة التنفيذية، وليست أداة تشهير، بل هي مساحة للسؤال والتوضيح والتوثيق، وحين يُغلق باب الحوار أمامها، فإن الخاسر ليس الصحفي وحده، بل الرأي العام الذي يُحرم من إجابات مباشرة، ويُترك نهبًا للتأويل والإشاعة. فالحوار الصحفي ليس ترفًا إعلاميًا، بل أحد أدوات الشفافية، ووسيلة لعرض الإنجازات كما هي منصة لمناقشة الإخفاق.ليس المطلوب معاملة تفضيلية، ولا تجاوز السياقات الإدارية، بل آلية واضحة، ومكتب إعلامي فاعل، وجدول معلن للحوار مع وسائل الإعلام، يضمن العدالة في الوصول، ويكسر الحواجز غير المرئية بين المسؤول والصحافة. فالدولة القوية لا تخشى السؤال، والمسؤول الواثق لا يتجنب الحوار.
قد يكون الوزير مشغولًا، وقد تكون الأولويات متعددة، لكن الانقطاع الكامل عن الصحفيين يخلق حواجز غير مبررة، ويترك انطباعًا لا يخدم صورة المؤسسة، مهما كانت نوايا القرب من المواطن حسنة. فالمشهد المتوازن هو ذاك الذي يرى فيه المواطن وزيره في الشارع، ويسمع صوته في الصحافة، ويقرأ إجاباته بوضوح دون وسيط.
ويبقى السؤال معلقًا دون إجابة: إذا كان الوصول ممكنًا في الشارع، فلماذا يبدو مستحيلًا في المكاتب؟