الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الولاء أو الكفاءة في ادارة الدولة العراقية

بواسطة azzaman

الولاء أو الكفاءة في ادارة الدولة العراقية

رشيد العجيل

 

واجه العراق منذ تغيير النظام السياسي في عام 2003 تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة، ساهمت التدخلات الأجنبية وتفضيل أهل الولاء والطاعة في مواقع الدولة القيادية على أهل الخبرة والكفاءة في تفاقمها. هذه الممارسات لم تبدأ بعد الغزو الأمريكي فقط، بل تعود جذورها إلى حقبة ما قبل 2003، حيث كانت القرارات في العراق تُصنع استنادًا إلى الولاءات الشخصية والحزبية بدلاً من الكفاءة والخبرة. مع ذلك، شهدت المرحلة التي تلت الغزو الأمريكي تعقيدًا إضافيًا نتيجة التدخلات الخارجية المستمرة التي زادت من هشاشة الدولة وعطلت بناء مؤسساتها.

أولاً: العراق قبل 2003 – النظام مع الاستبداد الممزوج بالتدخلات الأجنبية

قبل عام 2003، تم حكم العراق بنظام مركزي صارم الذي أحاط نفسه بدائرة ضيقة من الموالين، مع تهميش الخبرات والكفاءات التي قد تهدد السلطة. 

1. غياب الكفاءة في الإدارة: 

   كان الولاء للحزب أو للنظام هو المعيار الأساسي لتولي المناصب القيادية، مما أدى إلى قرارات مصيرية في مجالات حيوية مثل الاقتصاد، البنية التحتية، والسياسة الخارجية.  وكانت النتيجة انحدار القطاعات الأساسية وتراجع القدرة الإنتاجية للعراق رغم الموارد الطبيعية الضخمة. 

2. التدخلات الأجنبية في المرحلة السابقة: 

   - دعم العراق في الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) من قبل قوى دولية وإقليمية، ثم تخلوا عنه لاحقًا ثم جاءت العقوبات الدولية التعسفية بعد غزو الكويت في 1990، والتي أضعفت الاقتصاد العراقي وعزلت البلاد عن المجتمع الدولي.  هذه التدخلات ساهمت في تعزيز مركزية السلطة وتضييق دائرة صنع القرار. 

ثانيًا: العراق بعد 2003 – تفاقم الأزمة بسبب المحاصصة والتدخلات الأجنبية

بعد الغزو الأمريكي وتفكيك مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، دخل العراق في مرحلة جديدة عنوانها الفوضى السياسية والمحاصصة الطائفية. ورغم وعود كاذبة من الولايات المتحدة ببناء دولة ديمقراطية حديثة، فإن الواقع كان مختلفًا تمامًا.

1. تفضيل الولاء والمحاصصة على الكفاءة: 

   - بعد 2003، أصبحت الولاءات الحزبية والطائفية المعيار الأساسي لتولي المناصب، مما أدى إلى تهميش الخبرات والكفاءات الوطنية. أن النظام السياسي الذي أُسس على أساس المحاصصة، قسّم الدولة إلى حصص حزبية وطائفية مما عطل بناء مؤسسات وطنية قوية. 

2. التدخلات الأجنبية بعد 2003: 

   - الدور الأمريكي: الولايات المتحدة لم تُركز على بناء مؤسسات عراقية متماسكة بقدر ما ركزت على مصالحها الاستراتيجية وتعرض العراق لفوضى أمنية، حيث تفككت الأجهزة الأمنية والعسكرية، وجرى إعادة بنائها على أسس غير مهنية. 

   - إيران: بعد سقوط النظام أصبحت إيران لاعبًا رئيسيًا في العراق حيث دعمت فصائل وأحزاب طائفية لتحقيق أجندتها. 

   - دول إقليمية: لعبت دول مثل تركيا ودول الخليج دورًا في التدخل بالشأن العراقي لتحقيق مصالحها الخاصة، سواء عبر دعم جماعات معينة أو تعزيز النفوذ الاقتصادي. 

# ثالثًا: الأخطاء الناتجة عن تفضيل الولاءات والانصياع للمكونات

1. إضعاف مؤسسات الدولة: التي شهدت إنفاقًا ضخمًا دون تحسين ملموس بسبب سوء الإدارة والفساد. 

2. تعميق الانقسامات الطائفية: النظام السياسي القائم عزز الانقسامات وعطل الجهود لبناء هوية وطنية. 

3. الفساد المالي والإداري: غياب الكفاءات وسيطرة الولاءات الحزبية فتح الباب أمام انتشار الفساد بشكل غير مسبوق. 

4. فقدان السيادة الوطنية: التدخلات الأجنبية جعلت العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. 

5. استنزاف الموارد البشرية والطبيعية: الكفاءات العراقية إما تم تهميشها أو اضطرت للهجرة بسبب الظروف السياسية والأمنية.  الموارد النفطية استُنزفت بسبب الفساد وسوء الإدارة مما أثر على التنمية الاقتصادية. 

# رابعًا: مقارنة الوضع في العراق قبل وبعد 2003

| المعيار قبل 2003: سلطة مركزية والولاء للقائد والحزب الواحد مع إدارة موارد مشددة لكنها تفتقر إلى الكفاءة لبناء بلد عصري ومستقر بسبب الحروب والعقوبات مع العزلة الدولية.                                          

| المعيار بعد 2003: فقدان القرار الوطني لصالح التدخلات الأمريكية والإقليمية ـ ـ المحاصصة الطائفية ـ ـ فساد وسوء إدارة مع انعدام الرقابة ـ هجرة الكفاءات مما أدى الى تدهور قطاعات مهمة في البلد ـ عدم استقرار الوضع الأمني وانتشار السلاح خارج سلطة الدولة ـ

# خامسًا: الحلول المقترحة

1. إصلاح النظام السياسي: يضمن وحدة العراق من شماله الى جنوبه تحت قيادة وعقيدة واحدة واستقلال قراره. 

2. تعزيز السيادة الوطنية: تقليل التدخلات الأجنبية عبر بناء مؤسسات قوية قادرة على حماية مصالح العراق. 

3. محاربة الفساد: تعزيز الرقابة والمساءلة مع ضرورة إعادة النظر في تعيين القيادات بناءً على معايير مهنية. 

4. تشجيع الكفاءات الوطنية: الدعوة لعقد مؤتمرات حوارية للعودة إلى البلاد والمساهمة في عملية البناء. 

# الخاتمة

الاستفادة من دروس الماضي والتجارب العالمية لتحقيق نهضة العراق الحديثة

شهد العراق قبل وبعد 2003 أخطاءً كارثية بسبب تفضيل أهل الثقة والولاء في منظور النظام على أهل الخبرة، مما أدى إلى إضعاف مؤسساته وزيادة التدخلات الأجنبية. ورغم اختلاف الأنظمة بين المرحلتين، إلا أن النتيجة كانت واحدة وهي تراجع التنمية وتفاقم الأزمات.

لقد شهد العراق فصولًا تاريخية حافلة بالإنجازات والتحديات، كانت مليئة بالدروس والعبر التي يمكن أن تشكل أساسًا متينًا للانطلاق نحو مستقبل أفضل. اليوم، أمام القيادة العراقية فرصة تاريخية لبناء دولة حديثة تستفيد من التجارب العالمية.

دول مثل سنغافورة وماليزيا وجنوب إفريقيا أثبتت أن الإصلاح والتنمية ليسا مستحيلين حتى في ظل ظروف معقدة. تجربة سنغافورة تقدم درسًا في الإدارة الصارمة والحوكمة الشفافة، حيث استطاعت أن تتحول من دولة صغيرة تعاني الفقر إلى واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم. وماليزيا قدمت نموذجًا في تعزيز التنوع الثقافي والتكامل الاجتماعي لتحقيق الاستقرار والتنمية. أما جنوب إفريقيا، فقد نجحت في تجاوز عقود من الانقسام العنصري لتبني مسارًا قائمًا على المصالحة الوطنية والنهوض بالاقتصاد.

إن تطبيق هذه الدروس في السياق العراقي يتطلب إرادة سياسية صادقة وقيادة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. الإصلاح يبدأ بمحاربة الفساد، وتعزيز الشفافية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والنزاهة. كما يجب الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لتحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز التنمية البشرية.

الشعب العراقي يمتلك طاقات هائلة وثروة تاريخية وثقافية يمكن أن تكون دعامة للنهوض. ما ينقصنا هو رؤية استراتيجية شاملة تستثمر هذه الموارد بحكمة لتحقيق الأمن والازدهار. على القيادة العراقية أن تدرك أن الفرص قد لا تتكرر، وأن الوقت الآن هو الأنسب لتجاوز الأخطاء وصناعة مستقبل يستحقه العراق وشعبه الطيب.

 

 

 


مشاهدات 114
الكاتب رشيد العجيل
أضيف 2025/01/28 - 10:48 PM
آخر تحديث 2025/01/30 - 2:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 154 الشهر 14611 الكلي 10294576
الوقت الآن
الخميس 2025/1/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير