الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العبـــــــــــــــــــارة

بواسطة azzaman

العبـــــــــــــــــــارة

مهند الياس

***

همست باذن زوجتي ، وهي كما اراها منتشية بالفرح الذي يفيض عبر وجنتيها المتوردتين .. وقد بدت في بدلة عرسها البيضاء مثل ملاك هابط من كوكب اخر !

   *     تعرفين .. انه اجمل يوم في حياتي ..؟

تعثرت الكلمات بين شفتيها المطليتين بلون الدم .  . واجابتني بابتسامة مرحة صافية ، مثل ابتسامة طفل يانع ..    ورفعت اصابعي الى جبينها ، ومسحت قطرات العرق ،اذ زادت   هذه القطرات من سحر جاذبيتها اكثر ،،وانا امرر اصابعي احسست بشيء يلذع اعماقي بنعومة عجيبة .. قلت:

 *اليوم جميل؟                

اجابتني بصوت خافت                *:

  والوجوه تبدو مرحة جميلة! 

 يبدو ان العبارة قد      امتلات بالركاب اكثر مما ينبغي .. شباب .. نساء .. اطفال ، وبعض المسنين الذين اتخذو اماكنهم بمحاذات

مؤخرة العبارة ..وصاح الربان من مكبرة الصوت :

الان سننطلق عليكم بالهدوء  !                                                             

.. تحركت العبارة ببطء ، ولكن كما تبدو ثقيلة جدا بفعل زخم كثرة الركاب ، والتي لا تطيق هذا الكم ، فبدأت تغوص كتلتها شيئا فشيئا فيرتفع الموج، حيث لم ينتبه الربان ، ولا اكثر العاملين على ظهرها                                                

  :                                                       قالت زوجتي 

ما بال العبارة ؟                  

قلت            :

لو كانت هنالك ثمة خطورة ... لم يقلع الربان !

ورددت:

هذا شيء صحيح *

ابتعدت العبارة عن الجرف بعد ان سحب العاملون الحبال المربوطة بالمسامير الضخمة والعريضة والمثبتة على الرصيف

انزلقت بهدوء ، ولكن كما تبدو مضطربة غير متوازنة.. اي انها تميد يمينا وشمالا ، وامواج النهر بدت سريعة ..والركاب يتشبثون بحذر ، مما بدا الخوف يدب في رؤوسهم ، وساد صمت مريب

وراحت الوجوه تتعثر في نظراتها ، ومالت العبارة اكثر على ا لجانب الايمن منها وتزحلقت امراة ، صرخت من اعماقها ، فسقطت على الارض ، ربما اغمى عليها .. وانفلت طفل من حضن امه ، فالتقطته الام بالحال وضمته الى صدرها ثم جثت على ركبيتيها .. قالت زوجتي:

 الامر غريبا .. لو كان بمقدورنا ان ننزل * 

اجبتها :

كيف... ليس هنالك طريقا للنزول  *

وقبتلها من جبينها المتعرق :

اجبتها :

* لا تخافي... قولي يا الله

هي تمسك بذراعي بقوة من شدة الهلع .. وانا اطوق خصرها بذراعي واراقب اللغط والاصوات والفوضى التي عمت العبارة

والراكبون يتداخلون فيما بينهم ممتلئين بالذعر .

قبل ان اصل الموصل ، ودعت امي ، وقتها كانت تصلي ، وحين انتهت ورفعت راسها الي وجدت دموعها وقد انهمرت من عينيها ، انحنت وقبلت جبينها ويديها ، واحتظنت عروستي سهام بحنان وبحرقة قلت:

* ماذا تريدين ان اجلب لك من الموصل ؟ 

نظرت الي بحالة مريبة ، لم اجد اي نفسير لها ، ولم االف هذه النظرات التي تحدق بي وهي مبللة بالدموع قلت مع نفسي:

 *مابال امي هذه المرة ؟

سحبتني بقوة من يدي، وقبلت جبيني واجهشت بالبكاء ، اقتربت منها .. قلت:

* لم نتاخر كثيرا 

رفعت راسها الى السماء ، وراحت تدعو الله ان يحفظنا 

...بالامس زرت ابي في المقبرة ، وقتها كانت الشمس تلملم

ذيولها الصفراء الباهتة ، لتلقي بها بعيدا خلف الافق الازرق

وعندما اقتربت من قبره شخص وجهه امامي ولم ينبس بشيء .. ثم غادرني بسرعة لاكعادته

.. قبل ان تصل العبار ة الى منتصف النهر ، رايت موج النهر وقد ارتفع كثيرا .. و بدأ يتارجح طرفا العبارة .. وقد رايت الاجساد بدأت تتداخل فيما بعضها بفعل التدافع ، وانطلقت صرخات من هنا وهناك و مال كتف العبارة اكثر نحو الماء ، بينما ارتفع الجانب الاخر منها الى اعلى.. سقط اثنان في النهر ، شهقت زوجتي وهي مرعوبة .. سقط اخر ، وترتفع الصراخات عاليا وخاصة من الاطفال ..ورايت امراة شابة وقد سقطت مغمى عليها ، وزوجها يحاول ان يهديء من روعها وصرخ الرجل                              

    يا الهي !            .. ماهذه المحنة ..*

... وارتمى طفل في النهر وسط الموج ، حاولت امه ان تمسك به .. ابتلعه الموج ورمت الام بنفسها الى الماء وضاع اثرها ايضا

ارى زوجتي وقد جمد الدم في وجهها تماما وهي ترتعش من هول المصيبة .. جثت على الارض وراحت تتقيا وداهمني دوار شديد وانا اتابع بعينين حائرتين الصراخ .. والرؤوس الطافية فوق الماء التي تتشبث وتطلب النجدةوهي تغوص شيئا فشيئا وقطع من القماش الطافية تطفو فوق الموج .. تلفت حولي احاول ان اجد منفذا للخلاص                          

ولكني لم اجد ، ذلك لان الزحام والاجساد المتراصة والاصوات المتداخلة والدوار في راسي وزوجتي الجاثية على الارض كل هذه جعلت مني كتلة هشة لا تستطيع ان تفعل شيئا !

تارجحت العبارة مثل ارجو حة الاطفال وهالني ما رايت ، اذ ارتفع بنا الجانب الايمن من العبارة واصبحت تقف عموديا وسط النهر وافرغت من ظهرها كل الركاب والقت بهم في النهر ،، وانقلبت عل قفاها .. يا للهول وضجت الاصوات 

المختنقة تحت وفوق الماء .. وصرخت من اعماقي :

 سهام... سهام !                       ..*.

لم ار سهام بل رايت ظلاما دامسا وقد غطى كل شيء .. لم احس ببرودة ولذعة الماءالبارد الذي يلفني بموجه ..وصرخت ثانية:                                                                            

 سهام ... سهام  *

وشربت ماءا كثيرا ، انتفخت بطني وتقيأت ثانية وانا تحت الماء..واحسست ان شيء اشبه بالخدر بدب في جسدي الذي فقد قواه تماما .. وانقطعت انفاسي

وانا اغوص الى القاع وعيني تبحث عن سهام  !


مشاهدات 80
الكاتب مهند الياس
أضيف 2025/10/11 - 2:14 AM
آخر تحديث 2025/10/11 - 7:13 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 203 الشهر 7006 الكلي 12146861
الوقت الآن
السبت 2025/10/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير