الأنصهار المذهبي في الهوية الوطنية
زكي الساعدي
في الدول التي تشهد تنوعًا مذهبيًا ودينيًا، تصبح الهوية الوطنية أحيانًا عرضة للتأثيرات السلبية التي تفرزها الانقسامات الطائفية وقد تهتز الهوية الوطنية وتصبح في ادنى سلم الأوليات وتتقدم الهويات الفرعية على الهوية الوطنية وبهذا تكون الدولة في اسوء حالات التشظي الطائفي او العرقي او القومي او الديني إلا أن مفهوم “الانصهار المذهبي” يمثل نهجًا استراتيجيًا لتجاوز هذه الانقسامات، من خلال تعزيز المواطنة المشتركة وإعلاء الانتماء للوطن فوق أي انتماء مذهبي أو طائفي. هذا المفهوم يركز على الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني كقوة إيجابية، لا كعامل تفريق وصراع.ان ما تشهده بعض الدول التي تعاني من فقدان الهوية الوطنية او تراجعها لحساب الهويات القومية او الدينية او المذهبية تجعلنا نستشعر الخطر الكبير الذي من الممكن ان يتكرر وخصوصا ما يحدث في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وافغانستان ونيجريريا وميانمار .
حيث تشتد بين الحين والآخر انقسامات كبيرة تخلف بعدها مجازر بشرية تضطهد الأقليات وتشكل الفوضى الداخلية التي تعزز من الانقسامات داخل الدول وبالتالي تضعفها وتوقف عجلة التطور لان البيئة المضطربة طاردة للاستثمار وقد تصل إلى مرحلة تهجير لأبناء البلد .. ان من أولى الخطوات الفاعلة في البدء بعملية الانصهار المذهبي في الهوية الوطنية هو تعزيز المواطنة والعدالة في الفرص بتحقيق المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الطائفية، وإعلاء الانتماء للوطن كأولوية مطلقة والاعتراف بالتنوع وقبول واحترام اختلاف المذاهب كجزء طبيعي من النسيج الاجتماعي والثقافي، والعمل على توجيه هذا التنوع نحو تعزيز الوحدة الوطنية.وبالتالي فان بناء الثقة المتبادلة تتم من خلال الحوارات المجتمعية بين مختلف الفئات، وتشجيع الممارسات التي تدعم التضامن الاجتماعي.ومن الضروري جدا ايضا التركيز على المصالح الوطنية العلياحيث ان تقديم المصلحة العامة للوطن على المصالح الطائفية أو الفئوية الضيقة، مما يضمن توحيد الرؤية الوطنية.ومن الدول التي نجحت في انصهارها القومي او الديني او المذهب هي ماليزيا ، الإمارات ،جنوب أفريقيا ، كندا ، سنغافورة، نيوزلندا لأنها جعلت التنوع الديني او المذهبي او القومي مصدر قوة بجمع كل الثقافات المتنوعة وعززت من اقتصادها ولكن ضمن آليات كان البعض منها تجريم الخطاب الطائفي او الديني الذي يحرض على الانقسامات ونهج سياسة تعزز المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين دون تفرقة .وان أهمية الانصهار المذهبي ليس مجرد شعار، بل يمثل حجر الزاوية لتحقيق استقرار المجتمعات المتنوعة.وان تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي سيدعم التطور الاقتصادي لان العامل الاقتصادي يرتبط ارتباطاً وشيكا بالاستقرار الأمني .ولابد من الإشارة أن الدول التي تعاني من انقسامات طائفية فإنها دول رخوة من الممكن ان تتقسم او تحتل او تكون تحت مرمى اطماع الدول الأخرى ..
التحديات الانصهار المذهبي
رغم أهمية الانصهار المذهبي، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات عديدة، من أبرزها: الخطابات الطائفية والتحريضية فان انتشار الخطابات التي تزرع الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن خطر كبير وتهدّد الهوية الوطنية وهنا قد يكون ضعف السياسات التعليمية والإعلامية وغياب المناهج والسياسات الإعلامية التي تعزز مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية اثرا كبيرا على الوحدة الوطنية ومن الجدير بالذكر ان المصالح السياسية لبعض الفئات قد تسعى لاستغلال المذهبية والطائفية لتحقيق مكاسب سياسية أو نفوذ شخصي على حساب وحدة المجتمع ولكن ما أن تصل الانقسامات ذروتها اي تصل الدول إلى مرحلة ( الدولة الرخوة ) سيسقط الجميع في بئر الانقسام وستضيع معها مكتسبات المرحلة. الانصهار المذهبي ليس دعوة لإلغاء الهويات الفرعية، بل هو مشروع وطني يهدف إلى تحويل التنوع إلى مصدر قوة يوحّد المجتمع بدلاً من أن يفرّقه. ومن هنا يجب ان يبدا بالعدل والمساواة بين الجميع وإعلام مسؤول يعمل ببرامج توعية وتجريم الخطابات الطائفية او القومية او الدينية الموجهة للضد النوعي ومن خلال تعزيز قيم المواطنة والعدالة، يمكن بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات وتحقيق تطلعات أبنائه في ظل هوية وطنية جامعة .
المهندس الاستشاري