الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شكر النعمة

بواسطة azzaman

قصة قصيرة 

شكر النعمة

محمد علي ابراهيم الجبير

 

سليم احد وجهاء المدينة ، زفافه يوم الخميس الموافق  6 تموز من عام 1950م ..

زوجته من مدينة اخرى،تبعدُ 30 كم عن مدينته، والعادة في زفاف العروس ان يذهب الاهل والاصدقاء والشباب والصغار من ابناء المنطقة ، بسيارات يؤجرها العريس لزفاف العروس من بلدتها الى بلدته..

حافظ صبي من ابناء منطقة الفقراء المجاورة لبيت العريس ، انتهز هذه المناسبة ،و صعد في احد السيارات وغايته ان يري بلدة جديدة غيربلدته التي لم يسافر منها ابداً ،ارتدى حافظ احسن وأفضل ماعنده من ثياب ، وهي( الدشداشة الصفراء ). ولكي يكمل هندامه وشياكته حسب اعتقاده  ؛ وضع دهن شعرعادي على رأسه ليسهل تمشيط الشعر ، وقام بفرك شعر رأسه وتمشيطه ،نظرفي المرآة لاحظ ان شعره بحاجة الى مزيد من الدهن ،وضع قنينة الدهن باتجاه رأسه،سقط صمام القنينة وسال الدهن على رأسه بكثرة و على دشداشته الجديدة الوحيدة !نظف رأسه من الدهن ولم يستطيع ازالة الدهن من دشداشته الصفراء ،وبقى آثار الدهن واضحة ، واسف لذلك اشد الاسف ، ورغم ذلك  فإنه لم يترك فرصة الذهاب الى مدينة العريس بسيارات الزفة ،وركب في احدى السيارات ،ولاول مرة الاولى في حياته يركب في سيارة؛؛

نعم انها المرة الاولى التي يركب بها السيارة ، لذا كانت فرحته كبيرة جداً لاتوصف ، لقد شاهد في ذلك اليوم  مناظر خلابة لن ينساها ابداً، شاهد الشوارع الفسيحة والمبلطة قبل وصول سيارات الزفة الى مدينة العروس واستمتع بمشاهدة البيوت الضخمة في مدينة العروس  ذات الحدائق الجميلة المنسقة والاشجارالباسقة،والتي لم يشاهدها في مدينته ولفت نظره ملابس الاولاد الجديدة واناقتهم وكانت ملابسهم احسن واجمل الملابس، في الوقت الذي كان يعتقد فيه ان دشداشته افضل الملابس وابهاها ؛وقال في نفسه عندما اعود الى اهلي ، سوف اسأل امي عن سبب اختلاف ملابسي عن ملابس هؤلاء الاولاد ؟وفعلاعند عودته من زفة العرس،سأل والدته

- يا امي رأيت اليوم كذا وكذا،وشاهدت الاولاد الذين في عمري وهم يتمتعون بلباس افضل واحسن الملابس فلماذا انا لاأملك سوى هذه الدشداشة التي كنت اعتقد انها افضل الملابس؛

- ياولدي ان ملابسك احسن وانظف الملابس ولايعوزك شيء والحمد لله ..

- لو انك شاهدت الاولاد ماذا يلبسون لما قلت هذا الكلام  فاني رايتهم يختلفون عني كثيراً ؛؛

- ياولدي الناس تلبس وتأكل وتسافر حسب امكانياتها ، ونحن كما ترى حالنا لانملك شيء ؛ وانشاء الله تكبر وتعمل وتحصل على الاموال من عملك وقتها تلبس ماتشاء وتكون رجلاً معروفاً وجيهاً محترماً من الجميع

وعندما سأل والده:

- لماذا يا أبي لانشتري مثل مايشتري الناس ونأكل كما يأكلون ؟ فكان جواب والده يشابه جواب والدته :

-لاتوجد لدينا امكانية للشراء ، وان شاء الله تكبر وتعمل معي وتتحسن امورنا ونعيش باحسن من هذا الحال ، نلبس ونأكل بما نشتهي ، وماعليك الا الصبر والاهتمام بالدراسة لكي تنجح ونحقق احلامنا باذن الله .

مرت السنين وحافط يدرس ، وينجح سنوياً رغم عوزهم

وفقرهم واخيرا حصل على الشهادة الاعدادية ؛ دار الحوار بينه وبين والده :

- ياحافظ جاء وقت التقديم للحصول على وظيفة ؛

-لا يا أبي انني سوف اعمل في الاعمال الحرة و سوف يكون مستقبلي افضل..

- ياحافظ اننا بحاجة ماسة للراتب ؛لاننا في عوز في الوقت الحاضر ولانملك شيء ؟

- سأجرب حظي في الاعمال الحرة واذا لم انجح فيها سوف اقدم طلبا للتعين في الوظيفة الحكومية

باشر حافظ عمله في الاعمال الحرة وكانت بدايته انه اشتغل مع احد المقاولين براتب محترم ،تحسنت احواله خلال اشهر قليلة،تعلم خلال هذه الفترة اعمال المقاولات

ورتب نفسه  لمزاولة المقاولات ،احيلت عليه اول مقاوله اشتغلها بنفسه ، فنجح في تلك المقاولة وحصل  من اعمالها على مبلغ لابأس به ؛تعددت المقاولات ونجح فيها واصبح من عداد المقاولين في فترة وجيزة

اشتري دار فخمة وسيارة حديثة وأصبح لديه رصيد في البنك ،عمل معه والده في المقاولات واكتسب منه خبرة  باعمالها ، احيلت عليه عدة مقاولات  نجح في تنفيذها، واصبح الوالد والولد من كبار المقاولين؛ وبمرور الزمن اصبحوا من الشخصيات المعروفة والعائلات الموصوفة في الثراء والحياةالمترفة ؛ حافظ لم ينسى الماضي ولم ينسى دهن الشعر العادي الذي انكب على رأسه ، وسقط على دشداشته الصفراء الجديدة والتي لايملك غيرها  ؛ تعرف على فتاة من عائلة غنية معروفة بالطيبة والسمعة الحسنة فتزوجها،رزق منها اربعة اولاد وثلاث بنات، يأكلون احسن واطيب المأكولات ويلبسون الملابس الراقية والغالية الثمن ؛؛وحافظ لا يسمع من اي ولد او بنت كلمة رضا او شكر على النعمة التي يتمتعون فيها ،

فقال لاولاده ان اغلب الناس لايجدون مايسد جوعهم ولايجدون ملابس تقيهم البرد وتسترهم في الحر ؟

فتعجب الاولاد من كلام والدهم ولم يصدقوا ماقاله ايعقل وجود احد بدون بيت وبدون اكل وبدون ملابس ؟

فقال لهم نعم  كثير من الناس لاسكن لهم ولا اكل عندهم ولا يملكون ملابس؛وسوف نذهب اليهم وترون احوالهم

في اليوم التالي ذهب الاولاد والبنات مع والدهم في السيارة ، واتجه بهم الى خارج المدينة ، حيث البيوت التي يسكن فيها فقراء المدينه،قسم منها عبارة عن اكواخ من القصب والقسم الاخرغرف من طين ومسيجة بعلب الصفيح المخلوط بالطين ؛ شوارعهم غيرمنظمة وغيرمبلطةمليئة بالنفايات،وبقايات التراب  المتماسك بسبب الامطارعلى هيئة احجار طينية يابسة تعرقل سير السيارة ؛شاهداولاد حافظ اولاداً بمثل اعمارهم شبه عراة ملابسهم مهلهلة وغير نظيفة  وجوههم متربه حفاة لايملكون احذية ولاملابس ،ومع ذلك وجوههم مستبشره والسعادة بادية عليهم من خلال لعبهم ومرحهم ، اوقف حافظ احدد الاطفال:

- ماذا اكلت في صباح هذا اليوم ؟

- خير من الله، اكلت خبزمع الشاي والحمد لله والشكر

نزل حافظ من السيارة ونادي الاطفال للتجمع،وزع عليه مساعدات مالية مجزية لشراء ملابس واحذية ؛ اولاده حافظ ينظرون الى هؤلاء الاطفال الفقراء الذي لايملكون شيء سوى القناعة والسعادة رغم العوز والفاقة وكلما سألهم شخص عن احوالهم حمدوا الله وشكروه ؛

فكانت زيارة حافظ لهؤلاء الاولاد الفقراء درس بليغ لأولاده ، عرفوا من خلال مشاهدتهم لحال الفقراء،ان هناك ناس ليس لديهم داركدارهم ، ولاملابس مثل ملابسهم ولايأكلون مثلما يأكلون؛ تعلموا كيف يحمدوا الله ويشكروه دائماً وابداً، و اصبح حافظ  يسمع من اولاده  الشكرعلى النعمة..


مشاهدات 29
الكاتب محمد علي ابراهيم الجبير
أضيف 2025/01/11 - 3:24 PM
آخر تحديث 2025/01/11 - 11:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 520 الشهر 5301 الكلي 10095266
الوقت الآن
السبت 2025/1/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير