سعر الوجوه
ثائر علوان
دلف إلى المكتب، يمشي ببطء. جلس على الكرسي، وضع جهازه الذكي ومفتاح السيارة على الطاولة. احتسي قهوته بتأنٍ، سحب الآلة الحاسبة أمامه، وغاص في تفكيرٍ عميق.
قطع تفكيره أحد الزبائن، بطلب مئة كيسٍ من الدقيق. وقف محيِّيًا بلياقةٍ وأدبٍ زاخر، وطلب منه أن يتفضل بالجلوس. نادى السكرتير على نفر كباب، وظل يرمق الرجل بعينين ثعلبيّتين، وهو يأكل.
يفرّ المفتاح في أذنه، وكأنه يشغّل ماكينة. لم ينقطع عن الثرثرة والابتسام، كمدخّن الحشيش. حرّر وصلاً، وأوصل الرجل إلى الباب مودّعًا، وواعدًا: "أن تصل البضاعة قبل أن يصل."
عاد إلى مجلسه، يضرب على الآلة الحاسبة، وكأنها بيانو أفكاره. باغته زبونٌ آخر، بطلب عشرة أكياس. أشار للرجل بيده أن يجلس، نادى سكرتيره على شاي. لم يبتسم إلا قليلًا؛ كالمصاب بالاكتئاب، لكنه كان يبتسم في سره.
ولم يتكلم إلا على قدر الجواب؛ لكنه كان يجري مونولوجًا في رأسه، وهو يعبث بجهاز الآيفون. حرّر وصلاً، وسلّمه للرجل، مودّعًا من على الكرسي. اتكأ على قفاه، وظل يفرّ بكرسيه.
توقف بغتة، وغطّ في تفكيرٍ عميق. راح يتلمّس بأصابعه سطح المكتب، باحثًا عن الآلة الحاسبة. باغته صوت زبون، يريد كيسًا واحدًا. استفاق من شروده، حدّق في وجه الرجل، أشار له إلى السكرتير، شائحًا ببصره عنه.